الرئيسية 08 الشبكة الثقافية 08 ثقافة وفنون 08 الذاكرة الفوتوغرافية

الذاكرة الفوتوغرافية

بينما أنت في المقهى أو متجها إلى محطة القطار، كثيرا ما تستوقفك الأشياء بكل تصنيفاتها وأشكالها وأحجامها، فتمعن النظر فيها، وترسل أحكامك الخاصة، تبعا لتلك النظرة. فتشكل في النهاية في ذاكرتك صورة عن هذا الشيء، وتطبعه بعناية فائقة حتى تسترجعه مرة أخرى.
إن النظرة الأولى، هي نظرة تفاعلية من الطراز الرفيع، من خلالها تختبر كل معلوماتك، وتربط مفاتيح أفكارك ببعضها بعضا، كما تجعلك أيضا تفسر الأحداث، وتنفض غبار ذاكرتك بكل ما يخص هذا الشيء الذي مرّ أمامك، فتوصلك إلى الكثير من التحليلات والتفسيرات القابلة للخروج من عقلك، وتجسيدها على هيئة سلوك في ما بعد.
تعتبر السلوكيات والحوارات، أكثر الأمور عرضة لإطلاق الأحكام المسبقة من المرة الأولى، فأنت تقوم لا إراديا ببناء تصور بينك وبين صاحب السلوك، ربما لا تدرك هذا الشيء بصورة حقيقية، لكن عقلك الباطن قام بأرشفة وتدوير السلوك، حينها تقوم بالابتعاد عن أو بالاقتراب من هذا الشخص بشكل كبير. إنه أمر طبيعي جدا، أن يبتعد أو يقترب الإنسان، فمن منا لا يريد الراحة النفسية والاستقرار الذهني؟
حسناً، يرى باحث علم النفس جوردن ألبورت في نظريته الشهيرة «طبيعة الحكم المسبق» إن مجرد وضع الآخرين في قوالب جاهزة، هو بمثابة موقف اتجاه الشخص، يدرجه تحت مجموعة معينة كما يتصور عنه، ما يعني أنك تلغي كيانه كإنسان يملك روحا وفكرا مختلفين، مهما كانت بيئته ومجتمعه اللذين أنتجاه.
إن إطلاق الأحكام المسبقة، شيء تراكمي، يرجع إلى مرحلة الطفولة، إذ يغرس الوالدان مجموعة من الأحكام الجاهزة في عقول أطفالهم عن الأشياء وفحواها، فتحرمهم فرصة التجربة، وجوهرية البحث عن الحقائق عن قرب، فهي عبارة عن إنتاج لمضامين في حلقة مفرغة، تمنعك من المغامرة في الحياة، بل إنها تكسبك خبرة قليلة، ومعارف ضئيلة، فهي تميل إلى تبسيط الواقع وجعله في أطر محددة، وهذا غير منطقي، لأنه يحارب التنوع والتعددية التي تقوم عليها جميع المجتمعات منذ الخليقة إلى يومنا هذا.
يقول المثل: »كثيراً ما نرى الأشياء على غير حقيقتها، لأننّا نكتفي بقراءة العناوين».

كاتبة وإعلامية من البحرين

علياء الموسوى

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: