الرئيسية 08 الشبكة الاسلامية 08 شبكة المقالات 08 القيم الحضارية في أعياد المسلمين

القيم الحضارية في أعياد المسلمين

من سنن الله الجارية في الحياة أن تتغير المواسم والأحوال ، وألاَّ تسير وقائعها على وتيرة واحدة في رتابة ثابتة، لتستمر مسيرة الإنسان في دروبها الشاقة، وليستأنف رحلته فيها على نحو يسير، ولقد تجاوب الإسلام مع هذه السنن الربانية فكان تشريع الأعياد متناغماً  مع فطرة الناس من حب للترويح وميل مستمر نحو التجديد ودفع للملل، فشرع لهم عيد الفطر عقب ما فرض عليهم من عبادة شاقة كالصيام، وشرع لهم عيد الأضحى بعد ما أوجب عليهم من فريضة الحج  أعظم أركان الإسلام .

والأعياد وإن كانت من المواسم التي تشترك فيها جميع الأمم والشعوب – فما من أمة إلا ولها أعيادها الخاصة بها -، إلاَّ أن الأعياد في الإسلام تختلف في مقاصدها ومعانيها، وقيمها التي تحييها ، وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، قال : ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر ) (رواه أبو داود وغيره).

والعيد في الإسلام، له مفهومه الخاص، وله معناه الذي يخصه دون سائر الأديان ودون سائر الملل والنحل ، وتتميز أعياد الإسلام بأنها لاتحمل معاني السرور والسعادة والفرح فحسب بل تحمل الكثير من القيم الحضارية التي تجدد للأمة دينها وإيمانها وحياتها ومنها :

  • العيد يعمق قيمة الوحدة والارتباط والتلاحم بين أفراد الأمة الواحدة، ويوثق الرابطة الإيمانية، ويرسخ الأخوة الدينية بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، مصداقاً لقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم – : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) (رواه البخاري) ، فالعيد في الإسلام لا يختص به بلد دون آخر، ولا أناس في مكان ما دون غيرهم، بل يشترك فيه المسلمون جميعهم في شتى البقاع والأماكن حيثما كانوا وحيثما وجدوا، طالما انتسبوا لهذا الدين، وكانوا في عداد المؤمنين .
  • العيد يجديد أخلاق الأمة وقيمها السلوكية ، فمن أراد معرفة أخلاق الأمة، فليراقبها في أعيادها. إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها. والمجتمع السعيد الصالح، هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة. وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً، تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء.
  • العيد يُعلي قيمة الطاعة ويرسخ مفهوم العبودية ؛ فالعيد في الإسلام يأتي دائمًا بعد طاعة لله، ويحقق البهجة بتحقق العبودية للخالق، ويعكس مظهر القوة والإخاء، فالعيد في الإسلام فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات. فالصائم يفرح لأنه صام رمضان وقامه، وتخرج من مدرسته العظيمة، وحصل على شهادة ” التقوى” حين قال الله تعالى في آية الصيام (لعلكم تتقون) وهذه ” الأيام العشر من ذي الحجة” ما أعظمها وأجلها عند الله تعالى ، هي أفضل أيام السنة على الإطلاق لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام)، قالوا : يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)3 فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العشر إلى الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد.
  • العيد يأتي لإعلاء قيمة الحق على ترهات الباطل ، فالعيد في الإسلام، فكاك وخلاص من إغواءات شياطين الإنس والجن، ويعقبه فرح بالفوز برضا الله وطاعته ، واستبشار بالوعد الكريم بالفردوس والنجاة من النار.
  • العيد اختبار لضبط قيمة الالتزام والثبات عليها فالعيد في الإسلام لا كما يتصوره البعض، انطلاقاً وراء الشهوات، وحلاً لزمام الأخلاق وعريًا على الشواطئ وتبرجًا في المجمعات والأسواق والأعراس وغيرها من التجمعات. إن العيد في الإسلام، ليس فيه ترك للواجبات، ولا إتيان للمنكرات.
  • العيد يسعى لتركيز قيمة الشكر والاعتراف بالنعم ، فالكثير من الناس من تطغى عليه فرحة العيد، فتستبد بمشاعره ووجدانه، لدرجة تنسيه واجب الشكر والاعتراف بالنعم، وتدفعه إلى الزهو بالجديد، والإعجاب بالنفس حتى يبلغ درجة المخيلة والتباهي. والكبر والتعالي. وما علم هذا أن العيد قد يأتي على أناس قد ذلوا بعد عز، فتهيج في نفوسهم الأشجان، وتتحرك في صدورهم كثير من الأحزان. فقد يأتي العيد على أناس، ذاقوا من البؤس ألواناً بعد رغد العيش، قد يأتي العيد على أناس تجرعوا من العلقم كؤوساً بعد وفرة النعيم، فاستبدلوا الفرحة بالبكاء وحل محل البهجة الأنين والعناء.
  • تأتي الأعياد في الإسلام لتعميق قيمة المساواة فيلبس الجديد الغني والفقير، ويظهر الجميع قدر استطاعته في أحسن مظهر دون تفاخر أو تباهي أو استعلاء ، ويجتمع الناس في صعيد واحد في ساحات العيد يهنئون بعضهم البعض على تمام النعمة والمنة ووحدة الدين ووحدانية الخالق وتجديد العهد بالعبودية طاعة بعد طاعة فتكون الفرحة فرحتين ، فرحة المساواة وفرحة الفوز برضا الله عزوجل الله واعترافًا بنعم التي لاتعد ولاتحصى .
  • العيد في الغسلام اختبار لقيمة الاعتدال ، فقد أمرالاسلام بالتوسعة على الأهل والأولاد في الأعياد في الطعام والشراب دون إسراف ولا تبذير، فنذكر نعم الخالق ، ونعظم شعائر الله ، وندخل السرور على جميع من حولنا في إطار من الرحمة والمودة ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ) (الفرقان:67).
  • العيد يستهدف تجديد قيمة الأمة الواحدة والجسد الواحد لقوله ﷺ: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فكم هو جميل أن تظهر أعياد الأمة، بمظهر الواعي لأحوالها وقضاياها. فلا تحول بهجتها بالعيد دون الشعور بمصائبها التي يرزح تحتها فئام من أبنائها. حيث يجب أن يطغى الشعور بالإخاء قوياً، فلا تنس فلسطين، ولا العراق وأراضٍ للمسلمين أخرى منكوبة بمجاهديها وشهدائها. بأيتامها وأراملها. بأطفالها وأسراها. وكم هو جميل أن نتذكر ونحن نستقبل العيد أن هناك الألوف من الأسر المنكوبة، من يقدم يد الاستجداء والمساعدة، بلقمة طعام، أو كساء لباس، أو خيمة غطاء. وفي المسلمين أغنياء وموسرون.

فأعيادنا في الإسلام تتراوح بين تفريج كربة، وملاطفة يتيم، ومواساة ثكلى، وابتسامة حانية، ولفتة طاهرةٍ من قلب مؤمن، يدخل السرور على قلب كل من حوله .

وفي أعيادنا تجتمع أصناف العبادة كلها من صلاة وصوم وصدقة وبر وحج ونسك. وفيها يوم عرفة يباهي الله بأهل عرفة أهل السماء، ومن صام هذا اليوم من غير أن يكون حاجا كفرت عنه ذنوب سنتين.

لهذا نفرح، وحق لنا أن نبتهج ونسعد ، بما يحمله لنا العيد من قيم حضارية تميزنا عن غيرنا من الأمم . 

إن المفهوم الحقيقي للعيد في الإسلام فرح وسرور منضبط بضابط الشرع الحنيف، لا تسيره الأهواء ولا الشهوات، ولا تكدره المعاصي والسيئات.

ومن القيم الحضارية التي يذكرنا بها العيد تجدبد الفرصة لتتصافى النفوس، وتتآلف القلوب، وتتوطد الصلات والعلاقات، وتدفن الضغائن والأحقاد، فتوصل الأرحام بعد القطيعة، ويجتمع الأحباب بعد طول غياب، وتتصافح الأفئدة والقلوب قبل الأيدي .

وفي الختام؛ فإن من أهم القيم التي يرسخها العيد شكر المنعم على توفيقه للعبادة وإعانته على تمامها، كما قال سبحانه : {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } (البقرة: 185)، تقبل الله منا ومنكم، وأعاده علينا بالخير والبركات.

محمود المنبر

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: