قضية فلسطين هي قضية جميع المسلمين، هي قضية تجمعت فيها كل المصائب، قضية أرتنا كلَّ عيوبنا، ووضحت خللنا وتناقضنا، قضية مصيرية ارتبطت بها كل القضايا.
فلسطين هي الأرض المقدسة، أرض الأنبياء الذين نحن المسلمين أحق بهم من كل من يدعي اتباعهم، فنحن أحق بموسى من اليهود المغضوب عليهم، وأحق بعيسى من النصارى الضالين.
فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وهو مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله سبحانه مبينا الارتباط بين المسجدين: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
فلسطين هي ميراث الأجداد ومسؤولية الأحفاد، معراج محمدي وعهد عمري، فتحها المسلمون بعد وفاة الرسول بست سنوات فقط، وحكموها قرونا طويلة، ثم احتلها الصليبيون فأخرجهم المجاهدون بقيادة صلاح الدين، ثم احتلها اليهود في عصرنا ولن يخرجوا إلا بالجهاد في سبيل الله.
أيها الأحبة:
حديثنا اليوم عن فلسطين.. فلسطين التي يُدمى جرحها كل يوم، فماذا فعلنا لها؟ ماذا قدمنا من التضحيات؟ هل أدينا أقل الواجبات؟! أو نقول بكل أسف: ماذا حققنا من التنازلات؟
في الوقت الذي يُقتَّل فيه المسلمون شرقا وغربا وشاما وعراقا نرى كثيراً من المسلمين لاهين عن مصائبهم بإقامة المهرجانات السياحية والبطولات الرياضية والحفلات الغنائية، وكأن أمر إخوانهم المسلمين لا يعنيهم فإلى الله المشتكى!!
أيها المؤمنون:
لقد أتى على مسلمي فلسطين قرابة قرن من الزمن مرابطين في الثغور، مدافعين بأموالهم وأنفسهم عن البلاد المقدسة التي كُتبت تاريخها بدماء الصحابة وأتباعِهم المجاهدين، تتابعت حكومات الإسلام في أرضها وتعالت رايات الإيمان في ساحاتها، حاول الصليبيون كسرها فجاسوا خلال الديار، لكن المسلمين وقفوا لهم بالمرصاد، كان العلماء يحثونهم على الجهاد، وكان الأغنياء يبذلون أموالهم في الإعداد، وكان الحكام يقودون المجاهدين لنصرة دين رب العباد، أمثال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي والمظفر قطز والظاهر بيبرس والمنصور سيف الدين قلاوون وغيرهم من الأمراء الذين غرسوا في الأمة روح الجهاد فوقفوا درعاً أمام الحملات الصليبية حتى أخرجوهم من الأرض المقدسة.
قال الله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140] تتعاقب السنون ليتمالأ الكفار مرة أخرى ويتآمر الصليبيون واليهود جميعا لوضع فلسطين في قبضة اليهود في جريمة من أعظم جرائم العصر، بإخراج شعب من أرضه وإقامة شعب آخر مكانه!!
ويستمر الصهاينة في القتل والإيذاء والاستيطان بتشجيع ورضا أو سكوت وإغضاء من دول الكفر الظالمة، كم أسالوا من الدماء، وأزهقوا من الأرواح، يدنسون المقدسات ويعقدون المؤتمرات لمخادعة العرب بسراب السلام، وقد أخبرنا الله أنهم يكذبون ويخادعون وينقضون العهود ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾.
أيها المسلمون:
لا مقاومة للصهاينة إلا بالقتال، ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، عندما رُفعت راية الجهاد في فلسطين على أيدي قلة من المجاهدين بدأت قوائم القتلى تتصاعد في أوساط اليهود، وأخذ الأمن ينحسر، والهجرة اليهودية تتراجع، وتذوَّق المسلمون حلاوة النصر بدلاً من ذل الهزيمة وعفن السلام المزعوم.
ولكن ما حال بقية العرب والمسلمين؟ هل دعموا المجاهدين ونصروهم أو كانوا سببا في حصارهم والتضييق عليهم؟
نرى غفلة وتغافلاً وصمتاً وخوفاً وعجزاً وبخلاً إلا عن بعض المساعدات القليلة التي تُبعث من هنا وهناك.
هذا والدول الاستعمارية الطاغية التي تدعي أنها ترعى السلام وتحارب التطرف والإرهاب، وتدعي الاهتمام بحقوق الإنسان؛ لا تحجب عن اليهود مساعدات طلبوها، ولا تسألهم عن جريمة ارتكبوها، ولا توجه إليهم حتى مجرد لوم وعتاب على القتل والظلم والخراب، بل يتوافد رؤساء تلك الدول ونوابهم ومندوبوهم لتأييدهم، ومن لم يستح فليصنع ما يشاء.
أيها المؤمنون:
إن كل هذه التناقضات ليست غريبة على أعداء الإسلام والمسلمين، فاليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ونسيرَ في ركابهم ونخضع لقراراتهم، كلُّ ذلك لا يُستغرب على من أضله الله وغضب عليه ولعنه، لكن المستغرب حين يقوم بعض قادة العرب يدعو إلى السلام، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟! قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت» أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
أيها المؤمنون، إننا بحاجة إلى مراجعة للوضع وإصلاح للحال، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ فكيف يكون النصر ونحن نرى الجبن في النفوس واستجداء الحلول وتعليقها على دول صليبية وهي لا تفتر عن دعم اليهود ودولتهم منذ وجدوا؟
أصبح كثير من قيادات الأمة ومناضليها المزعومين قليلي الدين، ضعفاء اليقين، يبيعون الحق والأمة بمنافع شخصية، هجروا ما أمرهم الله به في القرآن من إعداد القوة المادية والمعنوية للجهاد في سبيل الله، وسلكوا في قضية فلسطين مسالك المبادرات والمنظمات والتجمعات التي تتأرجح بين يمين ويسار بشعارات زائفة من العلمانية والوطنية والقومية والبعثية، اجتماعاتهم وقراراتهم تعِد ولا تُنجِز، وتقول ولا تفعل، وتشجب ولا تقاوم، قلوب شتى ووجوه متباينة.
لا يزالون في قضية فلسطين تائهين لأنهم تركوا الاعتزاز بالإسلام، وأصبحت آمالهم معلقة على دولة أمريكا راعية السلام، وكيف يرعى السلام أكبر دولة إرهابية عرفتها البشرية وثبت للعالم أجمع أنها لا توالي إلا اليهود؟!
أي سلام بعد آلاف القتلى من الأطفال والنساء بلا ذنب؟ أي سلام بعد عشرات الآلاف من الجرحى، وكثير منهم معاق طوال حياته؟ أي سلام بعد هدم بيوت المسلمين فوق أهلها؟ أي سلام وسجونهم مكتظة من الرجال والنساء وحتى الأطفال؟ أي سلام وهم يتوغلون ليل نهار في مدننا ومخيماتنا ويدنسون مقدساتنا؟ أي مبادرة سلام وذل نبيع فيه أرضنا المباركة وقدسنا المعظم؟ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» أخرجه أبو داود.
يا أمة الإسلام ويا أمة الجهاد، إذا اتقينا الله واتبعنا القرآن وأخذنا بأسباب النصر فسيجعل الله لنا مخرجا، وسينصرنا على أعدائنا، ومن أعظم أسباب النصر: تحقيق الإيمان وتقوى الله والتوحد وترك التنازع والتفرق وإعداد ما نستطيع من العدة للجهاد في سبيل الله والتضحية بالأموال والأنفس وغير ذلك من أسباب النصر التي بينها الله في كتابه الكريم.
وإن من أعظم أسباب نصر الله لنا أن ننصر دينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
وإن الله ناصر دينه وعباده المؤمنين، كما قال تبارك وتعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾، وقال: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال الله – ومن أصدق من الله قيلا -: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36].
فالمستقبل للإسلام ولو كره الكافرون، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بشِّر هذه الأمة بالسَّناء، والنصر، والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب» أخرجه أحمد (21223) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2825).
وإن الله قادر على نصر المسلمين بلا جهاد ولا عمل بالأسباب كما قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]، ولكن جعل الله بحكمته للنصر أسبابا، وأمر المسلمين أن يعملوا بها لينصرهم، فقد جعل الله لكل شيء سببا ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.
أيها المسلمون:
القدس أغلى وأثمن وأكبر من أن تُترك لمفاوضات استسلام، قضيتنا في القدس لا تنفصل عن الإسلام، فليست أرضاً فلسطينية أو عربية فحسب، بل إنها قبل ذلك وبعده أرض المسلمين جميعاً.
وليستيقن الجاهلون أنهم لن يروا نصراً ولن يحفظوا أرضاً ما داموا مصرين على الألقاب الضالة، ومناهج الإلحاد الصارفة، وسلام الشجعان الهزيل، إن هذا الركام كله نبتُ الشيطان، وغرس الكفار، وهذا هو الذي يحجب نصر الله ويمد في حبال اليهود وحمايتهم، يجب أن نعلم أن الكفاح مع تراكم العقبات وكثرة التضحيات أعزُّ وأجملُّ من القعود والتخلف من أجل راحة ذليلة ونسب أرض ضئيلة لا تليق بهمم الرجال.
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 38، 39].
﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41].
الله يخبرنا أن الجهاد خير للأمة في دينها ودنياها ومن أصدق من الله قيلا؟!
الجهاد ماض إلى يوم القيامة وهو فرض على هذه الأمة، جهاد الدفع عند ضعفها وجهاد الغزو عند قوتها، فما بال أقوام ينكرون هذه الفريضة والله يقول في كتابه الحكيم: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو؛ مات على شعبة من نفاق» أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والنفاق، ونعوذ بك أن نكره شيئا من دينك فتحبط أعمالنا ونحن لا نشعر.
… بلاد الشام تشمل فلسطين وسوريا ولبنان والأردن وبعض جنوب تركيا كأنطاكية، وبلاد الشام كلها أرض مباركة، وقد وردت في كتب السنة أحاديث صحيحة في فضائل الشام نذكر منها ما يلي:
1) عن عبدالله بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا». قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال في الثالثة: «هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان».
أخرجه البخاري (1037).
2) عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت عمودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فنظرتُ فَإِذَا هُوَ نورٌ ساطعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا إِنَّ الإِيمَانَ -إِذَا وَقَعَتِ الفتن- بالشام».
أخرجه الحاكم (8554) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام (3)، وجاء من حديث أبي الدرداء وعمر بن الخطاب وابن عمر رضي الله عنهم.
3) عن ابن حَوالة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « سيصير الأمرُ إلى أن تكونوا جُنوداً مُجَندَةً: جندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق». قال ابن حَوَالة: خِرْ لي يا رسول الله! إن أدركت ذلك؟ فقال: « عليك بالشام؛ فإنها خيرةُ الله مِنْ أرضه، يَجْتَبِي إليها خِيرتَهُ من عباده. فإن الله توكل لي بالشام وأهله ».
أخرجه أحمد (17005) وأبو داود (2483) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3659).
4) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أبيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: « إِذَا فسدَ أهلُ الشامِ فَلا خيرَ فِيكُمْ، لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي منصورين، لا يضرُّهم مَنْ خَذَلَهم حَتَّى تقومَ الساعةُ ».
أخرجه أحمد (20361) والترمذي (2192) وصححه، وصححه الألباني في الصحيحة (403).
5) عن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام ».
أخرجه أحمد (21725) وأبو داود (4298) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3097).
6) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا وقعت الملاحِمُ بعث الله من دمشقَ بعثًا من الموالي، أكرمَ العرب فرسًا، وأجودهم سلاحًا، يؤيدُ الله بهم الدين».
أخرجه ابن ماجه (4090) والحاكم (8646) واللفظ له وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2777).
7) عن النواس بن السمعان رضي اللَّه عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال، فقال: «إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنته»، قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم»، فقلنا: يا رسول الله، هذا اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: «لا، اقدروا له قدره، ثم ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيدركه عند باب لد، فيقتله».
أخرجه مسلم (2937).
8) عن معاوية رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهو ظاهرون على الناس».
أخرجه البخاري (3641) ومسلم (1037) وزاد البخاري في روايته وأحمد (16932): فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال: سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم بالشام.
9) عن سلمة بن نفيل رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يرفع الله قلوب أقوام يقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام ».
أخرجه أحمد (16965) وحسنه الألباني في السسلة الصحيحة (1961).
10) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «سَتَخْرُجُ نَارٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ من حَضْرَمَوْت تحشرُ الناس، قلنا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالشام».
أخرجه أحمد (4536) والترمذي (2217) وصححه الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام (11).
11) عن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للشام» قلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها».
أخرجه أحمد (21606) والترمذي (3954) والحاكم (2900) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (503).
عباد الله إن الأحداث الجارية اليوم في بلاد الشام اليوم ليست كبقية الأحداث، وإن القتل والدمار الذي يتعرض له المسلمون اليوم في سوريا ليس كبقية العالم، إن هذه الأحداث من علامات الساعة وتؤذن بالفتن والبلايا، واسمعوا هذا الحديث الصحيح عن ابن حَوالة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدَّسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك».
أخرجه أحمد (22487) وأبو داود (2535) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2286).
وأختم هذه الخطبة بهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود في سننه (4294) وأنقله لكم بإسناده:
قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا عباس العنبري حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال»، ثم ضرب بيده على فخذ معاذ ثم قال: «إن هذا لحق كما أنك قاعد».
وهذا الحديث من أحاديث الملاحم وعلامات الساعة، والله ورسوله أعلم بمراده، ولا يعرف حقيقة معناه إلا عند وقوعه، ولكن علينا جميعا أن نتوب إلى الله من ذنوبنا، وأن نحرص على ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، وأن نعرض عما يضرنا في ديننا ودنيانا، وأن نستعد للقاء الله بتقوى الله فهي خير زاد، فما يدري أحدنا كم بقي من عمره ولا ما بقي من عمر الدنيا، وعلينا أن نستعيذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأل الله أن ينصر أهل الحق ويجعلنا منهم، وأن يكفينا شر الأشرار أهل الباطل والفساد، وأن يجنبنا اتباع الأهواء المضلة والفتن المهلكة.
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين والمسلمين في بلاد الشام، وفي مشارق الأرض ومغاربها يا أرحم الراحمين، واجعل لهم فرجا ومخرجا.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، وألف بين قلوبهم، ووحد صفوفهم، ووفقهم لاتباع كتابك وسنة نبيك، ويسر لهم أسباب النصر وفتح بيت المقدس وإقامة شريعتك.
اللهم اجعلهم من الذين إن مكنتهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.
محمد بن على بن جميل