الرئيسية 08 الشبكة الاسلامية 08 حقيبة رمضان 08 الصيام والأدب الرفيع .. الشيخ لخضر لقدى

الصيام والأدب الرفيع .. الشيخ لخضر لقدى

لماذا يوصف غيرنا باللباقة والدماثة وحسن الخلق والدقّة في المواعيد، بينما نوصف بالقساوة والجلافة وسوء الخلق، وقلة النظافة، وعدم الانتظام؟.
ولماذا يهمل بعضنا نظافة ثيابه ويظهر أمام الناس بهيئة رثة، يترك الزّينة والتَّجَمُّل ويرضى بالدّون من الثّياب؟.
ولماذا يعتقد بعضنا أن الذوق والأدب والخلق الرفيع والرّقي الحضاري، قيم غربية خالصة؟.
وقد نشأ عند الغرب فن يسمى الإيتيكت–Étiquette وهو مصطلح يعني احترام النفس واحترام الآخرين وحسن التعامل معهم، ويعني أيضا الآداب الاجتماعية والآداب السلوكية واللباقة وفن التصرف في المواقف الحرجة.
وحسن الآداب ومعاملة الآخرين جوهر الإسلام وأساس مهمة نبينا صلى الله عليه وسلم، فما بعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق، وهو ما تؤيده نصوص الوحيين وتوثقه حقائق التاريخ، فقد ذكر الفقهاء استحباب التَّنَظُّفِ والتَّجَمُّلِ بحسن الثياب في الصلاة وفي الأعياد والجُمَع والجماعات والوفود، وقد عقد الإمام البخاري في صحيحة بابا: «التَّجَمُّل لِلوُفُود».
والمسلم صحيح النفس غير معقد كامل العقل غير معتوه طيب الخلق غير فظ، حديثه جميل طيب ومشاعره نبيلة، يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، ويعلم أنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ.
ويراعي مشاعر الآخرين وظروفهم وقدوته نبيه صلى الله عليه وسلم الذي قيل فيه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
والإنسان هو الكائن الوحيد الذي حباه الله القدرة على الإحساس بالجمال، والقدرة على التجاوب مع الآخرين والإحسان إليهم .
وما نشاهده في مجتمعاتنا من قلّة الاهتمام بالذوقيّات يعكس تربية غير سليمة وإهمالا واضحا للآداب الشرعية والمنح المرعية.
والذوق السليم أساس الخُلق وهو حُلِيّ يتزين بها الإنسان فتظهره بأبهى صورة، وآداب تجعله قريبا من غيره مقبولا لا ينفر منه الناس.
والمسلم يجمع مع جمال الجسم: جمال السلوك وجمال النفس وجمال الباطن وجمال المنطق.
والذوق السليم يكسب رضا الله تعالى ويحقق الطمأنينة ويوجد البيئة الجميلة ويقوي الروابط الاجتماعيّة ويحقق الاتزان النفسي لدى الانسان.
وهو قسمان:
– ذوق فطريّ: لا يتدخل الإسلام فيه بل يحترمه ويقدره، ولا يجبر أحدا على تغيير بعض طباعه المقبولة تأكيدا منه على احترام الخصوصيّات للأشخاص والبيئات، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم مَا تَرَى فِي الضَّبِّ؟ فقال: لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلاَ بِمُحَرِّمِهِ، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْقَرْعُ والحَلْوَاءُ وَالعَسَلُ، وهذه أذواق أكل لا تناقش، ومن أمثالنا الشعبية: كُلْ ما يعجبك والبس ما يعجب الناس.
– وذوق مكتسب يتعلمه المسلم وبه جاءت الآيات والأحاديث والمأثورات، حيث حثت على آداب الطريق وآداب الأكل وآداب اللباس وآداب الظهور بين الناس بالريح الطيبة واللباس الجميلة والمظهر الحسن.
وكان رسولنا يحث أصحابه فيقول: «إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ وَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ].
وكَانَ يُعْجِبُهُ الاسم الحسن والفأْل الحسن والثِّياب النّقِيَة والرِّيح الطّيِّبة، ويقول مربيا: «سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ».
والصيام مدرسة نتعلم فيها الآداب ونحسِّن فيها الأذواق والسلوك، وما لم يثمر صيامنا سلوكا حضاريا: يحترم فيه الجميع، فيرحم الصغير ويوقّر الكبير ويعرف للعالم حقّه، ويحترم حَقّ الطريق وتُحترم الطوابير وتنظف الشوارع وتلتزم آداب الأكل والشرب واللباس والمخالطة، وتراعي مشاعر الآخرين وأحوالهم وظروفهم، ويُنصر المظلوم ويُحْزن لحُزن المكلوم، ويُفرَحُ لفرح بني الإنسان ما دام على غير حساب الآخرين ولا يجر إلى طغيان، وإن رأى منه ما لا يعجبه سدَّده وَقوَّمه ووجَّههُ.
والإسلام جاء مهذبًا للفِطرِ مراعيا للشعور منقِّحا للأعراف مع اختلافها، والصيام شرع للحصول على التقوى وهي كلمة جامعة مانعة فمن كان تقيا كان جميل المنظر جميل المنطق حسن المعاشرة، يأْلفُ ويُؤْلَفُ ويتعامل مع الناس بأسلوب جميل، وطيب الكلام، وخير النّاس أنفعهم للنَّاس.
وحينما يُنتِجُ صيامُنا انضباطا على شريعة الله، ونكتسب ذوقا سليما في المحسوسات والمعاني، وتكون تصرفاتنا وحركاتنا ولمساتنا ونظافتنا وأناقتنا لائقة رائقة، وحينما يكون هناك جمال التناسق والانسجام وجمال في البيت وفي مكان العمل وفي الطريق والأماكن العامة، نكون حينئذ قد وافقنا حكمة شهر رمضان.

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: