الرئيسية 08 الشبكة الاخبارية 08 أخبار عالمية 08 الاحتلال الأمريكي للعراق.. والفشل الذريع

الاحتلال الأمريكي للعراق.. والفشل الذريع

يقول المفكر والكاتب الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي في كتابه “أمريكا.. ما نقوله نحن يمشي”: إن حرب العراق التي دخلتها الولايات المتحدة تحت ذرائع وجود أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب قد فشلت فشلاً ذريعاً، وتركت في الأوساط الثقافية ما يسمى بـ”الأثر العراقي”.

وعلى نفس السياق، كتب الصحفي المشهور تشالمرز جونسون، في مقال له بعنوان “مفهوم الإمبراطورية – الأمريكية – المحرض الرئيس على الحرب”، بأن ثبوت الفشل الذريع لاجتياح القوات الأمريكية لبغداد قد هيأ الرأي في واشنطن لتصوير هزيمة العراق كضرر ألحقته الولايات المتحدة بنفسها مادياً وإعلامياً بعد أن تحول العراق من دولة بوليسية – دكتاتورية مستقرة، إلى دولة تعمها الفوضى والعنف والطائفية بوجه ديمقراطي شاحب وشكلي، ثم صار الفساد بكل ألوانه أساساً للنظام القائم بشكل لم يسبق له مثيل.

هذه الأمثلة هي انعكاس للواقع الذي صرح به أخيراً ترمب بقوله عن غزو العراق: “إنه كان أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية”، وهو اعتراف خطير وصريح نظراً لصدوره من قمة الهرم الرئاسي الأمريكي.

فلو أخذنا انعكاسات الحرب اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في كلا البلدين؛ أي في الولايات المتحدة والعراق، فإنها لم تكن بالصورة الحضارية التي أرادت أن تقدمها أكبر إمبراطورية في العالم لبلد من العالم الثالث غارق في الفقر والدكتاتورية، وصار عند كثير من الأمريكيين شعور بالنفور من كلمة “إمبراطورية”؛ لأنها مرتهنة بالصعود والنزول ثم الاختفاء كما حل بكل الإمبراطوريات في التاريخ، في حين أشاع مفكروها أن نهاية التاريخ عندهم!

ويعود تشومسكي بالذاكرة إلى حرب فيتنام التي خاضتها الولايات المتحدة بين عام 1955م وحتى سقوط سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية عام 1975م، ويقول: إن دعاة هذه الحرب آنذاك لم يقلوا سوءاً وتقلباً في الآراء عن دعاة الحرب مع العراق، رغم اختلاف السيناريو في الحربين، فكان المبرر الأول لحرب فيتنام وقف التمدد الشيوعي في جنوب شرقي آسيا، وأما المبرر لحرب العراق فكانت لامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب، وفي كلا الحالتين كانت هذه الادعاءات غير صادقة.

لقد أصبحت دول جنوب شرق آسيا مثل كمبوديا ولاوس بالإضافة إلى فيتنام على علاقة جيدة بالولايات المتحدة رغم ما أصابهم من دمار.

وهذا ما يردده بعض الساسة والمفكرين الأمريكيين بأنه كان من الممكن جعل العراق يدور في الفلك الأمريكي بدون هذه الحرب الخافتة، التي اختفت وراءها كل دعاوى النصر السريع الذي قدمه صدام في حرب الكويت عام 1991م.

لقد كانت حرب فيتنام أقسى من حرب العراق، وبلغ مجموع القتلى فيها من كل الأطراف أكثر من ثلاثة ملايين عسكري ومدني، واستخدمت فيها أسلحة فتاكة ومدمرة، ثم بدأت الاحتجاجات بين الشباب الأمريكي والأوساط الشعبية لوضع حد لها، إلى أن انتهت بالفشل الذريع، وهو ما يريد قوله تشومسكي ولكن بوجه آخر.

إن تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق جون كندي (1961-1963م)، بدأ ينتابه وبعض من حوله مشاعر مناهضة للحرب وربما تعرض للاغتيال بسبب موقفه هذا، واستمرت الحرب بالتصعيد والاشتعال، وازداد المعارضون المزعومون للحرب وكانوا في غالبيتهم الساحقة من معارضي الفشل الأمريكي الذي بدأ يلوح بالأفق، لا حباً بالسلام كما يعتقد البعض، حيث كتب أحد دعاة الازدواجية هذه بعد انتهاء الحرب عن أحد صقور الحكومة المدعو جوزيف السوب: “كنا جميعاً نصلي أن يكون السيد جوزيف السوب على حق، وأن تكسب الولايات المتحدة الحرب، فإذا كسبتها فسوف نجني جميعاً حكمة وحسن تصرف الحكومة الأمريكية في تحقيقها انتصاراً حتى وإن أحلنا فيتنام قاعاً صفصفاً”، ثم صار هذا الشخص يدعو للانسحاب من فيتنام على أنه نصر مبطن، وهذه هي المعضلة التي عاشتها إدارة بوش من الصقور الذين ظنوا أن حرب العراق مجرد نزهة ولم يأخذوا بعين الاعتبار تأثيرات القوى الإقليمية والطائفية الكامنة داخل البلد الذي قلب كل موازين النصر إلى ادعاءات فارغة.

وعليه؛ فحتى لا يضع الديمقراطيون الكرة في ملعب الجمهوريين في الانتخابات القادمة، فقد سبقهم ترمب لتشخيص الحقيقة، وأن الجو العام الحقيقي بين معظم أقطاب السياسة نحو مناصرة الحرب ما هو إلا تغطية بالفشل، فقد وضع النقاط على الحروف وخرج من براثن المشكلة بصراحة مستخدماً موقفه الجديد إزاء العراق وما حوله.

إن مشكلة العراق لا تزال قائمة، ورغم الوضع الدولي السائد بعد جائحة كورونا، فإن السياسة الأمريكية بدأت تتغير نحو العراق، خصوصاً بعد إعلان الحكومة الجديدة برئاسة الكاظمي بعد 17 عاماً من تعميق الطائفية، وحصول هذه الحكومة على التأييد الدولي والإقليمي بشكل لافت للنظر في سابقة ليس لها مثيل في التاريخ الحديث للمنطقة، حتى إن مجلس الأمن أعلن تأييده ودعمه لحكومة الكاظمي، وبتأثير أمريكي لا غبار عليه، فإذا ما سارت الأمور على ما عليه؛ فإنه ربما يأتي اليوم الذي يعلن فيه ترمب بأنه استطاع تحويل الفشل في العراق إلى نوع من النصر بصيغة دولية معينة سيرضى به معظم العراقيين بعدما ذاقوا من الويلات والفساد ما يعجز القلم عن ذكره، وفي الوقت نفسه يجعل الأمريكيين بأنهم صنعوا شيئاً، وستثبت الأيام القادمة مصداقية مسيرة ترمب من عدمها.

 

الكاتب :   سعد سعيد الديوه جي

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: