تشهد المخيمات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، وخاصة في جنين وطولكرم ونور شمس، عمليات تهجير ممنهجة تهدف إلى تغيير الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية بالقوة.
الاحتلال «الإسرائيلي»، عبر سياساته العسكرية والاستيطانية، يسعى إلى تفكيك هذه المخيمات وإعادة تشكيلها بما يخدم مخططاته التوسعية، من خلال هدم المنازل والبنية التحتية، وفرض الحصار، وتهجير السكان بشكل قسري.. هذه السياسات ليست جديدة، لكنها تصاعدت في السنوات الأخيرة، في محاولة لطمس الهوية الوطنية للمخيمات وإضعاف دورها في مقاومة الاحتلال.
رمز الصمود
منذ تأسيسها بعد نكبة 1948م، مثلت هذه المخيمات رموزًا للصمود الفلسطيني، حيث لجأ إليها آلاف الفلسطينيين الذين طُردوا من أراضيهم المحتلة، ولكن الاحتلال «الإسرائيلي» لم يتوقف عن استهدافها، سواء عبر العمليات العسكرية المستمرة أو من خلال سياسات طويلة الأمد تهدف إلى تغيير طبيعتها الديموغرافية.
أحد أبرز مظاهر هذا التغيير عمليات الهدم الواسعة التي تشهدها المخيمات، حيث تدمر قوات الاحتلال المنازل والبنية التحتية بحجة الأمن، لكنها في الواقع تسعى إلى إحداث تغييرات جذرية في شكل المخيمات وتركيبتها السكانية.
تفكيك المخيم
في مخيم جنين، شهدت السنوات الأخيرة عمليات عسكرية مكثفة أدت إلى تدمير أحياء بأكملها، في محاولة لتفكيك المخيم وإجبار سكانه على الرحيل.
والاحتلال لم يكتفِ بالهدم، بل عمل على إعادة تشكيل المخيم جغرافيًا عبر توسيع الشوارع وتغيير معالمها؛ ما يسهل على قواته تنفيذ الاقتحامات وتقليل قدرة المقاومين على التحرك داخل المخيم.
وفي بعض الحالات، تم استهداف بنايات إستراتيجية وهدمها بهدف تفكيك النسيج العمراني المترابط؛ وهو ما يعكس نية الاحتلال في تغيير هوية المخيم بشكل جذري.
حصار خانق
في طولكرم ونور شمس، تكرر السيناريو ذاته، حيث فرض الاحتلال حصارًا خانقًا على المخيمات، مانعًا دخول وخروج السكان بحرية؛ ما أدى إلى تضييق الخناق عليهم اقتصاديًا واجتماعيًا، بالإضافة إلى ذلك، شنت قوات الاحتلال عمليات عسكرية متكررة، استهدفت فيها منازل المقاومين وأماكن تجمع السكان، ما أدى إلى نزوح العديد من العائلات.
سياسة الهدم والتضييق تسير جنبًا إلى جنب مع الاعتقالات الواسعة، حيث يتم اعتقال العشرات من الشباب الفلسطينيين؛ ما يؤدي إلى فراغ ديموغرافي متعمد، إذ يتم إبعاد القوى الفاعلة عن المخيمات وتقليل عدد السكان القادرين على المواجهة.
تهجير 40 ألفاً
خلال 40 يومًا فقط، تم تهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني قسرًا من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، في واحدة من أكبر عمليات التهجير التي شهدتها الضفة الغربية في العقود الأخيرة، كما قامت قوات الاحتلال بهدم أكثر من 380 منزلًا، بالإضافة إلى حرق وتدمير عشرات المنازل الأخرى، في محاولة لإجبار السكان على عدم العودة إلى المخيمات، هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة التي يتعرض لها الفلسطينيون، وتظهر بوضوح أن ما يجري ليس مجرد عمليات عسكرية، بل مخطط مدروس يهدف إلى تغيير الواقع السكاني في شمال الضفة.
تغيير ديموغرافي
إلى جانب ذلك، يحاول الاحتلال فرض تغيير ديموغرافي تدريجي عبر خلق ظروف معيشية غير محتملة داخل المخيمات؛ ما يدفع السكان إلى البحث عن أماكن أخرى للعيش خارجها.
في ظل هذه الضغوط، تزداد أعداد الفلسطينيين الذين يضطرون إلى مغادرة المخيمات، إما إلى القرى المجاورة أو إلى مدن أخرى داخل الضفة الغربية.
هذه السياسة تخدم هدف الاحتلال في تقليل الكثافة السكانية داخل المخيمات، وبالتالي إضعاف البنية الاجتماعية المقاومة التي طالما شكلت عائقًا أمام مشاريعه التوسعية.
إعادة التخطيط
كما تسعى «إسرائيل» إلى فرض تغييرات دائمة على شكل المخيمات من خلال مشاريع إعادة التخطيط التي تهدف إلى تحويلها إلى مناطق غير قادرة على احتضان المقاومة.
يستخدم الاحتلال ذرائع مثل تحسين البنية التحتية أو تسهيل الحركة داخل المخيمات، لكنه في الواقع يسعى إلى تفكيك طبيعتها العمرانية التي توفر بيئة صالحة للنضال الفلسطيني، يتم ذلك عبر توسيع الشوارع، وإزالة الأزقة الضيقة، وبناء جدران فاصلة داخل المخيمات؛ ما يغير طابعها التقليدي ويجعلها أكثر عرضة للرقابة والسيطرة العسكرية.
متمسكون بالبقاء
الاحتلال لا يسعى فقط إلى قمع المقاومة المسلحة، بل يريد إعادة تشكيل هذه المناطق بحيث تفقد دورها التاريخي كمراكز للنضال الفلسطيني، ورغم هذه المحاولات، فإن الفلسطينيين لا يزالون متمسكين بالبقاء في مخيماتهم، مؤكدين أن التهجير القسري لن ينجح في طمس هويتهم الوطنية، ولكن مع استمرار هذه السياسات، يظل التحدي الأكبر هو كيفية مواجهة هذا التغيير ووقف المخططات التي تهدف إلى تفريغ المخيمات من سكانها وإضعاف القضية الفلسطينية على المدى البعيد.
لؤي صوالحة