اليابان من البلاد التي وصلها الإسلام متأخراً، فحسب أغلب الروايات، يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويبلغ عدد المسلمين فيها اليوم نحو 350 ألف مسلم، ولهم مساجد ومؤسسات يمارسون من خلالها شعائرهم ومناسباتهم الدينية والاجتماعية.
في هذا الحوار، نلتقي الشيخ أحمد مائينو، أحد أشهر الأئمة المسلمين في اليابان، ليعرفنا أكثر عن الإسلام والمسلمين في اليابان.
بداية، هل يمكن أن تعرِّف نفسك للقراء؟
– اسمي أحمد ناؤوكي مائينو، من اليابان، وُلدت عام 1975م، وقد هداني الله تعالى إلى الإسلام عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري، وأكرمني بفرصة دراسة العلوم الشرعية في دمشق الشام على أيدي مجموعة من العلماء الفضلاء، وذلك بين عامي 2000 و2006م، ثم تخرجت في مجمع الفتح الإسلامي، شعبة الشريعة الإسلامية، عام 2009م.
وأعمل موظفاً في إحدى الشركات اليابانية منذ عام 2006م، وأنا الآن المدير التنفيذي والأمين العام لكل من جمعية الصداقة اليابانية السعودية، وجمعية الصداقة اليابانية الكويتية.
وأشغل منصب أحد مديري جمعية مسلمي اليابان، التي حازت جائزة الملك فيصل عام 2024م تقديراً لجهودها المتواصلة في التعريف بالإسلام باليابان منذ تأسيسها عام 1952م، كما أنني أحد مديري معهد جامع طوكيو، ومستشار فرع اليابان لمنظمة نهضة العلماء (الإندونيسية).
نريد لمحة سريعة عن تاريخ الإسلام في اليابان.
– بدأ التعرف على الإسلام باليابان في أواخر القرن التاسع عشر، لكن انتشاره الفعلي بدأ بعد الحرب الروسية اليابانية (1904 – 1905م)، حيث توافد مسلمون أتراك وتتار إلى اليابان.
وفي عام 1935م، تم بناء أول مسجد في اليابان، وهو مسجد كوبيه، وبعد الحرب العالمية الثانية، ازدادت معرفة اليابانيين بالإسلام، خاصة مع نمو العلاقات التجارية مع الدول الإسلامية، واليوم، يشهد الإسلام في اليابان نمواً متزايداً بفضل الله تعالى ثم بجهود الدعاة.
ما أهم المؤسسات الإسلامية في اليابان؟
– هناك عدة مؤسسات تؤدي دوراً بارزاً في دعم المسلمين والتعريف بالإسلام، من أبرزها:
1- جمعية مسلمي اليابان: أقدم منظمة إسلامية في البلاد، وهي فريدة؛ لكون إدارتها بأيدي المسلمين اليابانيين فقط، تأسست عام 1952م.
2- المركز الإسلامي الياباني: تأسس عام 1965م، وحصل على اعتراف الحكومة اليابانية عام 1980م.
3- الدكتور صالح السامرائي: وقد تولى سنوات طويلة د. صالح السامرائي، رحمه الله، مهمة تقديم الإسلام للشعب الياباني عامة والدعوة له، وبحث سبل التعاون والتعارف بين اليابان والعالم الإسلامي، إلى جانب بعض الجمعيات الإسلامية الأخرى.
ما أشهر مساجد اليابان؟
– من أشهر المساجد: مسجد طوكيو (أكبر مسجد باليابان)، وتأسس عام 1938م، وأعيد بناؤه عام 2000م، ثم مسجد كوبيه (أقدم مسجد باليابان)، بُني عام 1935م، ومسجد أوتسوك ويقع في طوكيو، ويعد من المساجد النشطة دعوياً، وله باع طويل في تقديم يد العون لذوي الحوائج.
هل هناك تواصل بين المؤسسات الإسلامية باليابان والدول العربية؟
– نعم، هناك علاقات قوية بين المؤسسات الإسلامية في اليابان ودول العالم الإسلامي، خاصة الدول العربية، يتمثل هذا التعاون في دعم المساجد والمراكز الإسلامية، وتوفير الكتب والمصادر الدعوية، إضافة إلى الشراكات مع جامعات ومؤسسات علمية عربية في مجالات الترجمة والتأليف.
كما أن بعض الدول تقدم منحاً دراسية للطلاب اليابانيين لدراسة الإسلام في الجامعات العربية.
هل يمكن أن تحدثنا عن أشهر الشخصيات اليابانية المسلمة؟
– أ.د. ياسر ياسوسي كوسوغي، من خريجي الأزهر الشريف، وكان أستاذاً في جامعة كيوتو المرموقة فترة طويلة، وهو أول من نال جائزة «الوسام الإمبراطوري» على مساهمته الكبيرة في التعريف بالإسلام في اليابان.
ود. حسن كو ناكاتا، وهو من خريجي جامعة القاهرة في تخصص الفلسفة الإسلامية، واختصاصه السياسة الشرعية لابن تيمية، وكان أستاذاً في جامعة دوشيشا المسيحية بكيوتو، وترجم وألّف العديد من الكتب التعريفية بالإسلام والمتخصصة في علومه، وأسلم على يديه العديد من طلبته.
والشيخة حبيبة كاؤوري ناكاتا، زوجة د. حسن ناكاتا، وكانت نشيطة في تربية وتعليم الأخوات، وألّفت كتاباً نفيساً حول قصة إسلامها وما بعد ذلك، وترجمت تفسير «الجلالين»، وتوفيت في عام 2008م وهي في الأربعينات من عمرها، ونفعها وتأثيرها باق، رحمها الله رحمة واسعة.
بالإضافة إلى عدد من الأكاديميين والدعاة اليابانيين الذين ساهموا في نشر الإسلام وتعزيز المعرفة به.
ما أهم المنجزات العلمية في مجال التأليف والترجمة الإسلامية في اليابان؟
– تمت ترجمة العديد من الكتب الإسلامية إلى اليابانية، من أهمها: ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية، وتوجد عدة ترجمات، منها ما أصدرته جمعية مسلمي اليابان، وجامع طوكيو، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وبعض الأفراد منهم مسلمون يابانيون وغير ذلك.
وكذلك ترجمة «صحيح مسلم» ترجمه 4 مسلمين يابانيين، من إصدار جمعية الصداقة اليابانية السعودية.
وترجمة تفسير «الجلالين» ترجمته الشيخة حبيبة ناكاتا، رحمها الله، من إصدار جمعية الصداقة اليابانية السعودية، وترجمة «السيرة النبوية» للدكتور مصطفى السباعي، ترجمه د. حسن ناكاتا، من إصدار جمعية الصداقة اليابانية السعودية، وترجمة «بداية الهداية» للإمام الغزالي، ترجمه أحمد ناؤوكي مائينو، من إصدار جمعية الصداقة اليابانية السعودية، وتأليف كتاب «ما هو الإسلام.. دينه وثقافته وتاريخه»، ألّفه د. ياسر ياسوشي كوسوغي، من إصدار شركة كودان، وهو كتاب تعريفي شامل صدر عام 1994م.
كما أن هناك جهوداً مستمرة في تأليف وترجمة الكتب الإسلامية باللغة اليابانية.
هل هناك أنشطة اجتماعية أو دينية للمسلمين في اليابان؟
– نعم، هناك أنشطة متنوعة، منها: إقامة صلاة الجمعة والتراويح في المساجد، وتنظيم دروس دينية وتعليم القرآن للكبار والصغار، وكذلك فعاليات شهر رمضان، مثل موائد الإفطار الجماعي، والمؤتمرات الإسلامية التي تجمع المسلمين من مختلف الجنسيات، إلى جانب المبادرات الاجتماعية مثل المساعدة في الكوارث الطبيعية والتواصل مع المجتمع الياباني لتعريفه بالإسلام.
ما أهم التحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين في اليابان؟
– هناك بعض الصعوبات والمعوقات التي تواجه مسيرة الإسلام في اليابان، ومنها:
1- قلة المعرفة العامة بالإسلام؛ ما يؤدي إلى بعض المفاهيم الخاطئة وقلب المفاهيم، مثل الأصل في الأشياء الإباحة إلى الأصل في الأشياء التحريم، إلا ما عليه ماركة حلال؛ ما أدى لانتشار تجارة إصدار الحلال بغرض تجاري فقط، كذلك ندرة المساجد والمراكز الإسلامية، خاصة في المدن الصغيرة.
2- التحديات القانونية؛ المتعلقة بالزواج الإسلامي والذبح الحلال وتأسيس مقابر المسلمين، والاندماج الثقافي، حيث يجد بعض المسلمين صعوبة في التوفيق بين التقاليد اليابانية وأحكام الإسلام.
3- تربية وتعليم الأجيال الناشئة؛ حيث يجد الكثير من مسلمي اليابان فرقاً شاسعاً بين توجهات التعاليم العامة في اليابان وتعاليم الإسلام، مثل الاعتقاد بتطور الحياة دون الخالق، وحقوق المثليين والشواذ، وما إلى ذلك.
4- ضعف الهمة؛ حيث قلة وضعف الوعي والهمة لدى بعض الأئمة في اليابان، حيث تقتصر أعمالهم ومعاملاتهم على الجالية المسلمة من غير اليابانيين، فلا يبالي بأهل اليابان ولا يدرس لغتهم وثقافتهم.
د. أسامة منصور