جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025
الرئيسية 8 الشبكة الاخبارية 8 فلسطين المسلمة 8 وترجَّل الفارس أبو عبيدة

وترجَّل الفارس أبو عبيدة

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ننعى المجاهد أبا عبيدة، الذي حمل الراية بثبات وإخلاص، وسار على درب الجهاد مبتغياً وجه الله، شأنه شأن أقرانه، لم يكن صوتًا ينتظره الملايين فحسب، بل كان نموذجاً للرجل الشجاع، المتفاني في خدمة قضيته وأمته، والذي وهب روحه في سبيل ما آمن به، وعليه نستحضر قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169).

لما كانت المصيبة جسيمة بفقدان صوت مثله انتظره العالم لشهور وأسابيع لسماع الحقيقة، إلا أن سنن الله في خلقه لا تتوقف، ودروب الجهاد لا تخلو من التضحيات، والراية لن تسقط؛ فهي تنتقل من رجلٍ إلى رجلٍ آخر نحسبه على خير، مثله في الصلابة والإيمان، ليحمل الأمانة ويسير بالركب نحو الغاية، وهذا ديدن الرجال.

إن هذه السنن المتكررة من البذل والفداء في المعارك المصيرية ليست طارئة على تاريخ أمتنا، فالمسلمون في معاركهم ودروب جهادهم الطويلة يعلمون أن من سنن هذا الطريق أن يموت قائد، أو يستشهد جندي، ليتسلم الراية من بعده من هو أهلها بإذن الله، فتستمر المسيرة ولا تنكسر الإرادة.

وخير مثال لذلك ما حدث في غزوة «مؤتة»، تلك المعركة الفاصلة في تاريخ الإسلام المبكر، عندما استشهد القادة المعينون من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم واحداً تلو الآخر؛ فكانت الراية لزيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبدالله بن رواحة، رضي الله عنهم أجمعين.

وفي لحظة حرجة يئس فيها البعض، تسلم الراية سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهو ليس من القادة المعينين ابتداءً، لكن حكمته وشجاعته أهَّلته لحمل المسؤولية في ذلك الظرف الدقيق وهذه اللحظة الحاسمة، فما كان منه إلا أن أعاد تنظيم الصفوف، واستخدم الحيلة العسكرية البارعة، وأنقذ الجيش من الهزيمة، محافظاً على هيبة المسلمين، وممهداً لفتوحات قادمة.

غزوة «مؤتة» تُعلمنا دروساً عظيمة، منها:

1- استمرار المسيرة: فالجهاد حق متجدد، والراية لا تسقط بموت حاملها.

2- وجود البديل المؤهل: فأمة الإسلام لا تخلو من الصالحين النجباء الأكفاء الذين ينهضون عند الحاجة.

3- حكمة الابتلاء: فاستشهاد القادة قد يكون محنة تُخرج من الأمة كنوزاً من الكفاءات والقدرات لم تكن ظاهرة من قبل.

4- الثقة فيمن يتولى الأمر: فكما وثق الصحابة في خالد وهو يحمل الراية في أشد المواقف صعوبة، يجب أن تكون ثقتنا اليوم فيمن يتسلم القيادة ثقة تدعمها المصلحة وتقوى بالدعاء.

إننا اليوم لا نقف عند وداع رجل، بل عند استمرار معنى؛ فالراية التي رفعت بإيمان لا تسقط، بل تسلم، ويحملها من بعده من وعى الطريق وأدرك ثقل الأمانة.

لقد مات قائد ولكن الفكرة حية، مات رجل في زمن عز فيه الرجال؛ كما مات أقرانه وقادته من قبل، ونحسبهم شهداء والله حسيبهم ومولاهم، قد سقط جندي في معركة الحق، ولكن المبدأ باقٍ.

وستظل دماء الشهداء وقوداً للمسيرة، ورمزاً للعهد الذي لن ينكسر، بين صاحب الأرض وأرضه، وبين المجاهد وربه، في معركة الحق ضد الظلم والعدوان، فاللهم تقبله في الشهداء، وألهم من خلفه الحكمة والثبات، وألِّف بين القلوب، واجعل هذا الفقد ميلاد قوة لا وهن فيها، قال الله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 146).

عن الشبكة نت

arالعربية
جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025