جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025
الرئيسية 8 الشبكة الاسلامية 8 شبكة المقالات 8 آداب للتعامل مع المرض تعرَّف عليها

آداب للتعامل مع المرض تعرَّف عليها

في وقت تنتشر فيه الأمراض والأوبئة فلا تكاد تجد بيتاً خاوياً من مريض، حيث الابتلاء قدر من الأقدار يحمل أشكالاً مختلفة منها الفقر والضعف ومنها الفراق ومنها الحاجة للغير، وأقساها قد يكون المرض حين يشتد ويقف صاحبه عاجزاً عن خدمة نفسه، أو تلبية احتياجات ذويه، أو القيام بمهامه، يقول تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك).

ولذلك جعل الإسلام للابتلاء بالمرض مكانة خاصة في أجرها لسوء وقعه على النفس، وأكثر الناس يجزع أمام تلك المحنة فلا يصبر، ولا يعرف مغزاها، وأنها ما تنزلت عليه إلا لترفع شأنه وتطهره وتقربه من ربه، ولذلك كان المرض تربية إيمانية عظيمة، وتعليماً لقيم الصبر والرجاء والتوكل وحسن الظن بالله، فإلى رحاب أدب التعامل مع المرض:

أولًا: المرض ابتلاء لا إهانة وحب لا كراهية:

يؤسس القرآن تصوراً رحيماً وبالغ الدقة لمعنى المرض، فالمريض ليس في حالة عقاب، وليس في خذلان من الله، بل يجري عليه سنة من سنن الله في الابتلاء العام، يقول تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة) (الأنبياء: 35)، فالمرض اختبار للصبر، ويقظة الوعي، والنص القرآني ربط المرض برحمة الله، وفتح باب الأمل أمام الموجوع رغم ألمه الذي يعلمه الله سبحانه، فيقول تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء 80)؛ إذ يرجع النص الشفاء إلى الله بقدرته ورحمته.

ثانياً: استحضار فضائل الصبر على المرض:

ليعلم المسلم حين يصيبه المرض أو يصيب أحد أحبابه أنه في فضل عظيم حتى يشفى، فليطمئن إلى جوار الله في سقمه، وأن المرض كالصحة كلاهما ابتلاء، فإما أن يكون صابراً، وإما أن يكون شاكراً.

يقول ابن كثير: وقوله (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة)؛ أي نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم تارة أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ونبلوكم: يقول نبتليكم بالشر والخير فتنة بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال(1).

والصبر المطلوب هو الصبر الواعي لا صبر الاستسلام، تتداوى وأنت تعلم أن الشافي هو الله، ولذلك قد يتداوى المريض ثم يموت، أو يزداد مرضه، فالأمر لا يتعلق بالدواء، وإنما بتنفيذ سنن الله عز وجل، وهو موقن أنه وحده سبحانه من يضع الفعل في تلك السنن، عليه أن يتداوى، عليه أن يرقي نفسه، عليه بالذكر، عليه باليقين في الله والأمل.

يقول الشعراوي في ابتلاء أيوب عليه السلام: «أما أيوب فقد أخذ زاوية أخرى من الزوايا وهي الابتلاء والصبر مع النبوة، وكل نبي فيه قدر مشترك من النوبة، وفيه تميز شخصي، وكذلك يوسف أخذ الابتلاء أولاً، ثم أخذ الملك والسلطان في النهاية(2)، وهذا يعني أن الوصول للأهداف الكبرى، يلزمه أولا الصبر على الابتلاء

ثالثاً: أدب المجتمع مع المريض الرحمة لا الشفقة:

والمرض ليس اختبار للمريض وحده، وإنما يعد اختبارا لمن حوله من ذويه أولا، ومن المجتمع ثانيا، فهو لا يحتاج من المحيطين شفقة، إذ كل إنسان في ابتلاءه الذي أنزله الله عليه كما مر بنا، وقد يتخذ صورة الخير، وإنما المريض يحتاج لرحمة، ورعاية، وحب، وعطف، وكلمات دعم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على عيادة المرضى، يدعو لهم دون أن يلقي عليهم المواعظ التي قد تثقل عليهم في مثل هذه الأوقات، يقول عليه الصلاة والسلام: إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل” (رواه الترمذي)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ عز وجل يَقُولُ يَومَ القِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدنِي! قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أعُودُكَ وَأنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟!، قَالَ: أمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ! أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَني عِنْدَهُ! يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمنِي! قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أطْعِمُكَ وَأنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: أمَا عَلِمْتَ أنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ! أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لَوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي! يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي! قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أسْقِيكَ وَأنْتَ رَبُّ العَالَمينَ؟! قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ! أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي” (رواه مسلم)، فجعل المرض الابتلاء الوحيد الذي يجعل صاحبه في معية الله، فهو سبحانه عنده لشدة ضعفه، وعن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عائد المريض في مخرفة الجنة حتى يرجع” (رواه مسلم)، (والمخرفة تعني الطريق)(3)، والمعنى أن زائر المرض في طريق إلى الجنة حتى يرجع، وبذلك يتحول المرض بما يترتب عليه من واجبات مجتمعية تجاه المرض، إلى التزام أخلاقي اجتماعي يساه\د بشكل كبير في زيادة الرابطية الإنسانية بين أفراد المجتمع الواحد، وترسيخ قيم التكافل والمودة المطلوب تحقيقها من مقاصد الشرع.

رابعاً: حرمة التداوي بما حرم الله:

ويلجأ بعض الأطباء خاصة من غير المسلمين، أو في غير بلاد المسلمين، للجوء لأنواع من المسكرات لتخفيف الألم عن المريض المتألم، في حين أن هناك وسائل أخرى متاحة يمكن استخدامها، وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم” (رواه البخاري)، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام” (رواه البيهقي).

وقد يلجأ آخرون للجوء للشعوذة مثل الذهاب للسحرة للبحث عن دواء، ومنها ما يعلق التمائم مثل الخرزة الزرقاء التي تدفع العين من وجهة نظرهم، وتلك كلها أفعال تنافي العقيدة الصحيحة، وقد جعل الله عز وجل العلاج في المباحات وليس فيما حرمه سبحانه.

يقول ابن القيم في زاد المعاد: “ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والتوبة، والتداوي بالقرآن الكريم، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها”(4).

ونختم بمعنى يجب أن يستحضره كل مبتلى بالمرض، وهو قول الحق تبارك وتعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” [آل عمران: 146]، فالمريض يعيش في مقام يحبه الله عز وجل فيه إذا صبر ورضي واستعان بربه ولم يشك الله لخلقه، هو في مقام محبة الله عز وجل له، فمن ذا يستطيع أن يتنازل عن ذلك المقام أو يحزن له، وهو ما نصبو إليه بداية إدراكنا ووعينا في هذه الحياة؟

 اقرأ أيضا:

الابتلاء فوائده ومجالاته

حياة المسلم في المحن

_________________

الهوامش

(1) تفسير ابن كثير (3/ 286)، ط دار الفكر.

(2) تفسير الشعراوي (6/ 3771).

(3) فضائل الصبر على المرض والابتلاء، د. السيد خضر أستاذ اللغويات بجامعة المنصورة، ص12.

(4) زاد المعاد (4/ 130).  

عن الشبكة نت

arالعربية
جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025