جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025
الرئيسية 8 الشبكة الاسلامية 8 الوعي الاسلامي 8 6 خطوات لتعلُّم فن «الإصغاء»

6 خطوات لتعلُّم فن «الإصغاء»

اكتسب خلق الإصغاء في الإسلام مكانة كبيرة بين جملة الأخلاق الإسلامية التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون، فيحذر الله تعالى عباده من أن يكونوا ممن لا يحسنون الاستماع، فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ {20} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) (الأنفال).

وهناك نوع آخر من الاستماع المذموم، وهو أن تسمع بقلب لاهٍ لا يدرك ما يُلقى عليه من قول، فيقول تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ {42}‏ وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ) (يونس)، وهذه حال الكافرين في حواراتهم بينهم وبين الدعاة والمصلحين، فهم يسمعون بالأذن، ويعرضون بالقلب، فلا تصل المعاني المقصودة إليهم.

ولذلك، فلم يكن الإصغاء سلوكاً ثانوياً في الإسلام، وإنما كان فناً علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وفيما يلي 6 خطوات لتحقيق حسن لاستماع وتعلم فنونه في الهدي النبوي الكريم:

1- توجيه النية للفهم وليس مجرد الانتصار للنفس:

وذلك المقصود في الشرع بعلم المقاصد، فنحن نتحدث لهدف آخر غير مجرد الحديث، ونستمع لفعل سوف ينبني على حسن الاستماع، ونغرس لا لمجرد الغرس، وإنما لينتفع به إنسان أو طير، وهكذا هي المقاصد في الدين.

والأصل في الاستماع للقرآن الإنصات، أو الإصغاء، فيقول تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204)، والمستمع لمجرد إثبات رأيه، أو إثبات خطأ رأي الآخر لا ينصت، وإنما حاله كحال الكافرين الذين يسمعون ثم يعصون.

ومن مواقف الإصغاء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه شاب يستأذنه في الزنى، فلولا أن أصغى إليه النبي صلى الله عليه وسلم لكان الشاب قد وقع بالفعل، بل حاوره بهدوء وفهم لطبيعة مرحلته العمرية: «أترضاه لأمك؟ لأختك؟ لعمّتك؟» (أخرجه أحمد)، فمحاورة النبي صلى الله عليه وسلم كانت لغرض الأخذ بيده للحق، وليس لانتصاره في الموقف، ولذلك وصل الأمر للشاب فاستجاب واستكان.

2- كف اللسان:

والأصل في الإسلام الصمت ما لم يكن القول أولى وأنفع، يقول تعالى في التخويف من كل لفظة تخرج من الإنسان ليتحسسها ويرى في أي اتجاه تذهب: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (متفق عليه).

ويقول الغزالي: «من عرف دقائق آفات اللسان علم قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب، حيث قال «من صمت نجا»، فلقد أوتي والله جواهر الحكم قطعاً، وجوامع الكلم، ولا يعرف ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء».

وقال ابن عبد البر: «الْكَلَام بِالْخَيْرِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ أَفْضَلُ مِنَ الصَّمْتِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ كُلُّهُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ ، وَإِنَّمَا الصَّمْتُ الْمَحْمُودُ الصَّمْتُ عَنِ الْبَاطِلِ».

3- الإصغاء بالقلب لا بالأذن:

والسماع بالأذن لا يترك أثراً إلا بقدر مرور الكلمات عليها والخروج منها، قد يكون المستمع مشغولاً بأفكار أخرى، ولذلك يقول رب العالمين في كتابه: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ) (ق: 37)، فالقلب هو ما يستمع، وهو ما يعي ويدرك ويؤمن ويتفاعل ويتذكر.

ومن المواقف التي تفرق بين السمع بالأذن والاستماع بالقلب ما رواه أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله واصبري»، فقالت: إليك عني، فإنك، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» (متفق عليه).

لقد وقف الاستغراق في الحزن دون قلب المرأة فلم يستمع، وعلى الجانب الآخر وقف النبي صلى الله عليه وسلم ليستمع لها بقلبه متعاطفاً معها، وحين انتبهت كان قد فات أوان الاستماع، وفقدت أجر الصبر.

4- لا تقطع حديث المتكلم حتى ينتهي:

ومن الأدب ألا تقطع حديث المتحدث حتى ينهيه، وحتى تفهم ما يريد أن يقول، فحين تقطعه وهو يسوق حجته، فقد قطعت جزءاً من الحقيقة التي يريد إقناعك بها، فعن أنس قال مُحدِّثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان إذا لقيه أحدٌ من أصحابه فقام معه، قام معَه، فلم ينصرف حتى يكون الرجلُ هو الذي يَنصرف عنه، وإذا لقيه أحدٌ مِن أصحابه فتناول يدَه ناوله إيَّاها، فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحدًا من أصحابه فتناول أذنَه ناوله إياها ثم لم ينزعها حتى يكون الرجلُ هو الذي ينزعها عنه» (أخرجه ابنُ سعد بسندٍ صحيح).

وقد كان ذلك خلقه صلى الله عليه وسلم حتى مع الكافرين وهم يساومونه على الكفر، فعن جابر بن عبدالله قال: أرسلت قريش عتبة بن ربيعة، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا ابن أخي، إنك مِنَّا حيث قد علمتَ من المكان في النسب، وقد أَتَيْتَ قومَك بأمر عظيم فَرَّقْتَ به جماعتهم، فاسمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عليك أموراً لعلك تقبل بعضها، إن كنتَ إنما تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنتَ تريدُ شرفاً سَوَّدْناكَ علينا، فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنتَ تريد مُلْكًا مَلَّكْناكَ علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رِئْياً (مس من الجن) تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الطِّبَّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبْرَأَ.

فلما فرَغَ قوله، تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه صَدْرَ سورة «فُصِّلَت»، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: «أقَدْ فرغْتَ يا أبا الوليد؟»، قال: نعم، قال: «فاسمع مِني»، قال: أفعل.

5- إعطاء لغة الجسد حقها:

ومعظم الأحاديث التي تتم عبر وسائل اتصال غير مباشرة يتم فهمها على سبيل الخطأ، تضيع فيها نصف الحقيقة وتختلط المفاهيم، وتطلق الأحكام التي تكون غالباً في غير صالح المتحدث، فالنفس تتخيل وترسم صوراً وتعبيرات غير حقيقية في مجملها، كأن يتخيل أن الشخص الآخر يتحدث بوجه عابث، أو يرفع صوته بغير داع، أو يلقي اتهامات بصيغة الغاضب، كل هذا نتيجة غياب تعبيرات الجسد.

وقد ظهر جلياً ذلك في استماع النبي صلى الله عليه وسلم للصحابية خولة بنت ثعلبة وهي تشكو حالها للنبي صلى الله عليه وسلم، فرغم خفض صوتها، فإنه تفاعل معها أثناء الحديث من انكسار صوتها وحرصها على بيتها.

6- تحويل عادة الإصغاء إلى عبادة يومية:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه بين الحين والآخر: «هل منكم من رأى رؤيا؟»، فيستمع لهم ولا يترك أحداً، وهكذا يجب أن يكون الوالد مع أبنائه، والأم في أسرتها، والداعية بين الناس، والجيران مع بعضهم بعضاً، حتى يعتاد المسلم الإصغاء ويحسنه.

ومن هذه المواقف السابقة للنبي صلى الله عليه وسلم نصل إلى أن الإصغاء مهارة وضرورة أخلاقية لتستقيم المجتمعات وتحسن العلاقة بين أفرادها، فبالإصغاء تتشكل شخصية المسلم القرآنية والمحمدية لتقوى بصيرته، وتحسن نواياه، وتستقيم أحكامه.

عن الشبكة نت

arالعربية
جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025