قال أكثم بن صيفيّ حكيم العرب: ذلّلوا أخلاقكم للمطالب، وقودوها إلى المحامد، وعلّموها المكارم، ولا تقيموا على خلق تذمّونه من غيركم، وصلوا من رغب إليكم، وتحلّوا بالجود يكسبكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل فتتعجلوا الفقر.
أخذه الشاعر فقال:
أمن خوف فقر تعجّلته
وأخّرت إنفاق ما تجمع
فصرت الفقير وأنت الغنيّ
وما كنت تعدو الذي تصنع
بيان وفوائد
أولًا: التحليل الأخلاقي:
يقوم كلام أكثم بن صيفيّ على تهذيب النفس وترويضها، لا تركها لأهوائها:
- «ذلّلوا أخلاقكم للمطالب»: دعوة إلى مجاهدة النفس وكبح نزعاتها الأنانية، فالأخلاق لا تُترك على سجيتها بل تُدرَّب.
- «وقودوها إلى المحامد، وعلّموها المكارم»: الأخلاق تُكتسب بالتربية والممارسة، وليست فطرية بالكامل.
- «ولا تقيموا على خلق تذمّونه من غيركم»: مبدأ أخلاقي رفيع يقوم على الاتساق الداخلي ورفض النفاق.
- «وتحلّوا بالجود يكسبكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل فتتعجلوا الفقر»: يربط بين الكرم والغنى الحقيقي، وبين البخل والفقر المعنوي ثم المادي.
الخلاصة الأخلاقية: النص يرسّخ أخلاق المجاهدة، والكرم، والعدل مع النفس، والصدق العملي.
ثانيًا: التحليل الاجتماعي:
يعكس النص تصورًا عميقًا لبناء المجتمع:
الكرم سبب في تماسك العلاقات الاجتماعية وكسب المحبة.
صلة من يرغب إليك تؤسس للتكافل الاجتماعي لا للقطيعة.
النهي عن ذمّ الأخلاق وممارستها في الوقت نفسه يحارب ازدواجية القيم التي تفسد المجتمعات.
البخل لا يؤدي إلى حفظ المال، بل إلى العزلة، ثم الفقر الاجتماعي.
الخلاصة الاجتماعية: المجتمع القائم على الجود والوفاء والقدوة العملية مجتمع مستقر ومتراحم.
ثالثًا: التحليل الديني:
يتوافق النص بوضوح مع المبادئ الدينية، خاصة الإسلامية:
مجاهدة النفس أصل ديني: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: 69).
الكرم سبب للبركة لا للفقر: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) (سبأ: 39).
ذمّ النفاق الخُلقي: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ) (البقرة: 44).
البخل سبب للهلاك: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ) (آل عمران: 180).
الخلاصة الدينية: الحكمة الجاهلية هنا تلتقي مع القيم الدينية، مما يدل على عالمية هذه المبادئ.
رابعًا: التحليل الأدبي:
1- في كلام أكثم بن صيفيّ:
أسلوب حِكَميّ إنشائيّ قائم على الأمر والنهي.
اعتماد المقابلة: الجود ↔ البخل، المحامد ↔ المذام.
إيقاع معنوي قوي قائم على التوازن اللفظي.
2- في الأبيات الشعرية:
أمن خوف فقر تعجّلته
وأخّرت إنفاق ما تجمع
فصرت الفقير وأنت الغنيّ
وما كنت تعدو الذي تصنع
استفهام إنكاري يفضح الوهم.
مفارقة بلاغية: فقير وأنت الغني.
تصوير نفسي دقيق لحال البخيل الذي يعاقب نفسه بنفسه.
البيتان يلخصان الحكمة النثرية في صورة شعرية موجزة مؤثرة.
الخلاصة الأدبية: النثر قدّم القاعدة، والشعر جسّد نتيجتها في صورة فنية نافذة.
الشبكة الجزائرية نت البوابة الجزائرية للاعلام والثقافة