جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025
الرئيسية 8 الشبكة الاسلامية 8 احوال المسلمين 8 الهند بين ميزان العدالة ومطرقة الانتماء.. عندما يصبح القانون أداة انتقام!

الهند بين ميزان العدالة ومطرقة الانتماء.. عندما يصبح القانون أداة انتقام!

في بلدٍ تُعرِّف نفسها بأنها أكبر ديمقراطية في العالم، يبدو أن العدالة لا تُمارَس دائمًا كميزان نزيه، بل كثيرًا ما تتحوّل إلى أداة تُسخَّر لخدمة السلطة؛ تُكافئ بها من يوالون النظام، وتُعاقِب من يعارضونه، لا بناءً على الحقائق أو الأدلة، بل وفقًا للهوية الدينية أو الانتماء السياسي.

وتتجلّى هذه المفارقة بوضوح في المشهد الهندي الراهن، حيث تكشف سلسلة من الوقائع البارزة – من اعتقال نجل نجم

 سينمائي مسلم في قضية تافهة، إلى تبرئة نجل وزير متهم بقتل متظاهرين، مرورًا بتصريحات طائفية تطال ضابطة مسلمة في الجيش، وانتهاءً باعتقال أكاديمي بارز بسبب رأي- عن نمط متكرر ومُقلق من التمييز في التعاطي القضائي والإعلامي والسياسي.

وهذه الحوادث، التي قد تبدو متفرقة في ظاهرها، إنما تكوّن عند جمعها صورة متماسكة تؤكد وجود سياسة ممنهجة، لا مجرد حالات فردية. من خلالها يدرك المتابع حجم الخلل والتناقض في تطبيق القانون، وانحراف العدالة عن حيادها المفترض.

إن هذا الواقع لا يعكس خللًا عابرًا، بل يشير إلى مسار خطير تنحدر فيه مؤسسات الدولة، حيث تُوظَّف أجهزة القضاء والإعلام والسياسة لخدمة أجندات ضيّقة، على حساب القيم الدستورية والمساواة أمام القانون. وهو ما يفرض تساؤلات ملحّة حول مصير الديمقراطية في الهند، ومستقبل دولة القانون فيها.

آريان خان.. حين يُدان الإنسان بسبب اسمه فقط

في أكتوبر 2021م، اعتُقل آريان خان، نجل نجم بوليوود شاروخان، على متن سفينة سياحية بتهمة حيازة مخدرات، رغم غياب الأدلة المادية وغياب الحيازة الفعلية، فإن القضية تحولت إلى مادة دسمة للإعلام، الذي لم يكتفِ بالتغطية، بل مارس محاكمة جماهيرية، ركزت على ديانة والده ومكانته الثقافية.

الاعتقال لم يكن مجرد إجراء قانوني، بل بدا وكأنه رسالة موجهة لوالده، المعروف بمواقفه التعددية وانتقاده الضمني لسياسات اليمين. ومع أن التحقيق أُغلق لاحقًا دون توجيه تهم، فقد نال التشهير الإعلامي من الشاب ووالده، في نموذج صارخ لكيفية استغلال القوانين للنيل من شخصيات عامة تنتمي إلى أقليات.

أشيش ميشرا.. عندما يكون دم الفلاحين أرخص من اسم الوزير

في لاكيمبور خيري، أقدم موكب تابع لأشيش ميشرا، نجل وزير الداخلية، على دهس متظاهرين سلميين؛ ما أسفر عن مقتل 4 فلاحين، رغم وجود مقاطع فيديو وشهادات دامغة، تأخر اعتقاله عدة أيام، وسط صمت حكومي وإعلامي مُريب.

القبض عليه تم لاحقًا تحت ضغط جماهيري، لكن وتيرة التحقيق ظلت بطيئة، ما يُظهر بوضوح الفرق بين معاملة من يملك النفوذ ومن لا يملكه. المقارنة بين ما تعرض له آريان وما حظي به أشيش من حماية، تكشف الفجوة العميقة في تطبيق القانون.

صوفيا قريشي.. وطنية مشروطة بالهوية

العقيد صوفيا قريشي، ضابطة مسلمة في الجيش الهندي، تصدّرت الواجهة الإعلامية خلال عملية سندور في كشمير، إلا أن ظهورها لم يرق للبعض، فتعرضت لهجوم طائفي من قبل وزير في ماديا براديش، الذي وصفها بـشقيقة الإرهابيين، مما أثار استياءً واسعًا.

رغم أن تصريحات الوزير تهدد وحدة المؤسسة العسكرية، فإن الحزب الحاكم لم يُصدر إدانة واضحة، بل حاول تبرير كلامه ضمن ما وصفه بالقلق الأمني، هذه الحادثة تجسد كيف تُستخدم الهوية الدينية لنزع الوطنية عن مواطنين يؤدون واجبهم بأعلى درجات الالتزام.

د. علي خان محمود آباد.. حرية الفكر تحت المراقبة

في مايو 2025م، تم اعتقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة أشوكا د. علي خان محمود آباد، بسبب منشور على «فيسبوك» ينتقد فيه العملية العسكرية في كشمير، المنشور كان تحليلًا أكاديميًا بحتًا، لكن السلطات اتهمته بانتهاك قانون تهديد السيادة، وهو قانون جديد غامض جاء بديلًا لقانون الفتنة.

الاعتقال فجَّر موجة غضب في الأوساط الأكاديمية، وأعاد النقاش حول حرية التعبير، خاصة عندما يكون المتحدث مسلمًا، هل بات التعبير عن الرأي جريمة؟ وهل أصبح المثقف المستقل مهددًا بالسجن أو النفي؟

خيط واحد يجمعهم.. دينهم أو موقفهم

رغم تنوع هذه القضايا، فإن الرابط بينها واضح: من كان مسلمًا أو ناقدًا للسلطة، طُبقت عليه القوانين بأقصى صرامة، غالبًا دون أدلة كافية، بينما نال المقرّبون من النظام امتيازات واستثناءات حتى في الجرائم الكبرى، الإعلام بدوره أدى دورًا منحازًا، فشارك في التشهير ببعض الأسماء، وصمت عن أخرى، حسب الانتماء والولاء.

قوانين مرنة في يد سلطة قاسية

الخطورة لا تكمن فقط في سوء استخدام القوانين، بل في تشريع نصوص قانونية جديدة بصياغات فضفاضة، تُستغل لتجريم النقد والمعارضة. مثل قانون تهديد السيادة، وقانون مكافحة الإرهاب (UAPA)، الذي يُطبق بشكل انتقائي على المسلمين ونشطاء حقوق الإنسان، فيما يُتغاضى عنه في حالات الجماعات القومية المتطرفة.

هذه الانتقائية تُضعف ثقة المواطن في المنظومة القضائية، وتُحوّل القانون من أداة حماية إلى وسيلة قمع، مما يهدد الأسس التي قامت عليها الهند كدولة تعددية تحترم الحريات.

بصيص أمل في القضاء المستقل

رغم هذا الواقع القاتم، لا تزال المحاكم العليا تمثل أملًا في الإنصاف، فبعض الأحكام الصادرة عنها تعيد التوازن وتُنصف المظلومين؛ مما يدل على وجود مقاومة مؤسسية، وإن كانت محاصَرة بضغوط سياسية وإعلامية.

الإعلام.. من رقيب إلى أداة دعاية

أُفرغ الإعلام في الهند من دوره الرقابي، وتحوّل إلى شريك في الترويج لسياسات الاستقطاب، اختفت التحقيقات الجادة، واستُبدلت برامج تحريضية بها، يُستهدف فيها الأفراد بناءً على أسمائهم أو انتمائهم الديني، غابت المهنية، وحلّ مكانها خطاب يشجع الانقسام ويُشرعن الظلم.

العدالة الانتقائية.. تهديدٌ للهند لا للمسلمين وحدهم

هذا المسار لا يهدد المسلمين فقط، بل يضرب جذور الدولة القانونية، إن التمييز في تطبيق العدالة، وتسييس القضاء، واستغلال الإعلام، كلها مؤشرات على انحدار مقلق في المنظومة الديمقراطية، القضايا الأربع المذكورة يجب أن تُقرأ لا كحوادث معزولة، بل كجرس إنذار يدعو لإصلاح عاجل.

إن مواجهة هذا الانحراف تبدأ بوعي جمعي، يطالب بإعلام مهني، وقضاء مستقل، وسلطة تحترم الدستور لا تتجاوزه، فالهند التي نحلم بها ليست تلك التي تُكافئ الأقوياء وتُقصي المختلفين، بل تلك التي تفتح أبوابها للجميع، دون تمييز ولا استثناء.

وخلاصة القول: إن مصير أي ديمقراطية لا يُقاس فقط بعدد الانتخابات التي تُجرى أو بشعارات التسامح التي تُردَّد، بل يُقاس أولًا بقدرة مؤسساتها على حماية الضعفاء، وإنصاف المظلومين، ومحاسبة الأقوياء، الهند اليوم تقف عند مفترق طرق: إما أن تعود إلى جوهر مشروعها الدستوري القائم على العدل والمساواة، أو تنزلق تدريجيًا نحو دولة تُدار بمنطق الهوية والولاء، لا بالقانون والحق.

العدالة الانتقائية لا تُهدد فئة بعينها، بل تُقوّض أسس الثقة بين المواطن والدولة، وتزرع الشك في قلوب الأجيال القادمة حول معنى الانتماء والمواطنة؛ ولهذا، فإن معركة استعادة العدالة ليست معركة المسلمين وحدهم، بل هي معركة كل من يؤمن بأن القانون لا يُفرّق بين اسم وآخر، ولا بين دين وآخر، بل يُطبّق بميزانٍ واحد.

الطريق نحو الإصلاح يبدأ من مواجهة الحقيقة، ومن الاعتراف بأن الديمقراطية لا تحيا بالشعارات، بل بتحقيق العدالة على أرض الواقع، دون انحياز ولا خوف ولا استثناء، فالهند التي تستحق أن تفخر بديمقراطيتها، هي تلك التي لا تُجرِّم من يختلف، ولا تُكرِّم من يعتدي.

عن الشبكة نت

arالعربية
جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025