جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025
الرئيسية 8 الشبكة الاخبارية 8 أخبار عربية 8 نهضة سورية.. مقومات ومعوقات

نهضة سورية.. مقومات ومعوقات

لم يكن زوال النظام السوري في ديسمبر 2024م إلا بداية العمل لبناء مستقبل سورية الحديث، فسقوط النظام لم تكن النهاية التي انتظرها السوريون لعقود، بل البداية للنهوض بالدولة المدمرة منذ ما يزيد على نصف قرن عمل فيها النظام على تجهيل الشعب وإفقاره، واستعداء القريب والبعيد، فكان من ثمرات سياساته الفاشلة مجموعة عقوبات غربية ساهمت هي الأخرى بتأخير الشعب السوري عن اللحاق بركب دول العالم الثالث فضلاً عن الدول المتقدمة.

كان انقلاب حافظ الأسد عام 1970م، واستلامه زمام البلاد تاريخاً لبداية العزلة الإقليمية للبلاد، حيث أقحم سورية في مشكلات لبنان، فأصبح دخول القوات السورية للبنان عام 1976م ذريعة غربية كافية لتصنيف سورية على قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1979م، وبعدها فرضت المجموعة الاقتصادية الأوروبية حزمة من العقوبات عام 1986م، تلى ذلك الحزمة الأمريكية من العقوبات عام 2003م، للحد من التدخل السوري في الشأن اللبناني.

لكن العقوبات الأبرز والأكثر تأثيراً بدأت بعد أحداث الثورة السورية عام 2011م، التي جعلت من الاقتصاد السوري المتعب أساساً في حالة انهيار تام؛ ما دفع الحكومة السورية للاعتماد على تجارة المخدرات والكبتاغون كرافد أساسي لخزينة الدولة.

رفع العقوبات سيسرع من النهضة الاقتصادية والعمرانية والتكنولوجية ما يعني سرعة تعافي سورية

وهنا يمكن التمييز بين حقبتين من العقوبات الأمريكية على سورية؛ الأولى ما قبل الثورة السورية عام 2011م، وكانت في غالبيتها تركز على حظر صادرات الأسلحة والمبيعات الدفاعية لسورية، وقيود على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري، كذلك حظر ومراقبة استيراد أي مواد يمكن أن تُسهم في الصناعات العسكرية.

لكن الحقبة الثانية ما بعد أحداث الثورة السورية تدرجت من استهداف شخصيات محددة من النظام الساقط، وكان تأثيرها محدوداً، إلا أنها وصلت لعقوبات تمس قطاع النفط والأصول المالية للدولة، بالإضافة للعقوبات المصرفية والحوالات البنكية، فكان «قانون قيصر»، في عام 2020م، ذروة تلك العقوبات التي شملت قطاعات حيوية أبرزها مشاريع إعادة الإعمار.

في الحقيقة، كانت العقوبات قاسية وشديدة، لكنها لم تكن كافية لدفع النظام الساقط للتنازل لمطالب الشعب، بل إن العقوبات مست المواطنين بشكل مباشر، وعقّدت لهم تفاصيل حياتهم اليومية، فبات الحصول على أسطوانة غاز المائدة نوعاً من الترف، فضلاً عن مواد التدفئة والكهرباء وما إلى ذلك، وهو ما ولّد شعوراً لدى المواطن أن تلك العقوبات كانت تستهدفه أكثر مما تستهدف النظام الذي سرعان ما عوض خسائره بتجارة الكبتاغون والمخدرات.

وما عزز ذلك الشعور الشعبي بقاء تلك العقوبات قائمة بعد سقوط النظام لعدة أشهر حاول فيها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية ابتزاز الحكومة السورية الجديدة، حتى بات الأمر محرجاً لهم، فخضعت أمريكا للضغوط التركية والخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة قطر، فأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع العقوبات في 13 مايو من العام الحالي.

سرعة التعافي

والآن، ماذا يعني رفع تلك العقوبات؟ رفع العقوبات الكاملة عن سورية سيسرع من النهضة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية وكذلك النهضة التكنولوجية؛ ما يعني سرعة تعافي سورية، ودخولها معترك المنافسة الدولية، وهو ما سينهض بها سياسياً، لتعود لدورها القائد في المنطقة، بعد أن خسرت مكانتها لأكثر من نصف قرن.

ضرورة تجاوز المعوقات الأمنية الداخلية والخارجية مثل الكيان الصهيوني وبعض الحكومات الإقليمية

ولكن ولتحقيق هذه النهضة لا بد من تجاوز عدة عقبات ومعوقات أساسية، ما زالت مؤثرة على البلاد حتى بعد رفع العقوبات، أبرزها المعوقات الأمنية الداخلية، والمعوقات الخارجية، أبرزها الكيان الصهيوني، وبعض الحكومات الإقليمية والدولية التي لا تريد لسورية النهوض.

فما زال بالذاكرة القصيرة محاولة فلول النظام الساقط إحداث بلبلة ومحاولة الانقلاب على الدولة السورية الوليدة فيما بات يعرف بأحداث الساحل في 6 مارس الماضي، حيث كانت ذروة المحاولات المتكررة لزعزعة الأمن في الدولة، وإظهارها بصورة الدولة الفاشلة، وهو ما يخيف رؤوس الأموال المتوقع وصولها للبلاد في الفترة القليلة القادمة؛ ما يعني تأخير تلك النهضة، لكن الحسم العسكري الذي أبداه الشعب مع الحكومة عملت على وأد تلك العملية، وربما وأد أي فكرة مستقبلية لتكرارها.

لكن المشكلات الأمنية لم تنته بهذا الحسم، فما زالت المحاولات قائمة لإحداث شرخ مجتمعي على أساس طائفي وعرقي، فوقعت أحداث صحنايا في 29 أبريل الماضي لخلق فوضى طائفية، وصدم المكون الدرزي مع بقية مكونات الشعب السوري، وكان لتحكيم العقل دور في إنهاء تلك الفتنة سريعاً.

لكن المحاولات لم تتوقف، وهذه المرة بمحاولة صدم المكون المسيحي بعموم الشعب السوري من خلال تفجير كنيسة مار إلياس في 22 يونيو 2025م، وقد تبين أن منفذ الهجوم غير سوري، ويمكن القول: إن تلك المحاولة أيضاً فشلت من خلال الوقوف الشعبي مع الضحايا، وتنديد المؤسسات الدينية والمدنية لهذا الاستهداف.

معوقات خارجية

فإذا كان تجاوز المعوقات الداخلية تتطلب جهوداً محلية بالأساس، فإن المعوقات الخارجية للنهضة لا بد لها من أصدقاء دوليين لتجاوزها، فالكيان الصهيوني ما زال يحاول زعزعة الاستقرار من خلال محاولاته المتكررة للدخول في الأراضي السورية، وهو ما يتطلب جهداً إقليمياً ودولياً لردع ذلك العدوان الذي يؤثر بصورة مباشرة في مستقبل سورية القريب والبعيد، وربما تكون تركيا هي ركيزة ذلك الجهد، فإذا أضفنا لها رغبة الإدارة الأمريكية الحالية وعلى رأسها الرئيس ترمب بوقف الحروب العبثية لـ«إسرائيل»، فإن تجاوز تلك العقبة هو السيناريو المرجح، خاصة أن الإرادة الغربية عموماً الآن ترغب برؤية سورية مستقرة متماسكة موحدة، وهو ما قد يزيل بقية العقبات الخارجية، على رأسها التدخلات الكردية وبعض الأطراف العراقية التي لا ترغب بذلك الاستقرار.

آفاق النهضة السورية الحديثة باعثة على التفاؤل خاصة مع توفر الرغبة الدولية في استقرار البلاد

وهذه المعوقات السابقة، يقابلها مقومات كبيرة تساهم في نهضة البلاد وتشكيل المستقبل المنشود، ولعل أبرزها الإنسان السوري، الذي عُرف بعطائه وإمكاناته وقدراته، فإذا زدنا على ذلك الخبرات التي تلقاها في بلاد الغربة، والشهادات العلمية التي حصل عليها من جامعات عالمية مرموقة، وعمله في شركات كبرى، كل تلك العوامل ستسهم في بناء ذلك المستقبل وبصورة أسرع مما يعتقد الكثيرون.

ومن بين مقومات النهضة توفر المواد الخام الأساسية في البلاد، مثل النفط والغاز والعديد من المعادن المهمة، بالإضافة للإمكانات الزراعية الضخمة على رأسها زراعة القطن الذي يعد النفط الأبيض لسورية، ويحتل المركز الثاني عالمياً من حيث كمية إنتاجه وجودته العالية.

فإذا أضفنا لكل ما سبق، العقلية الصناعية لدى المواطن السوري، وقدرته على إنتاج مختلف الصناعات الخفيفة والمتوسطة وصولاً للثقيلة، حتى في ظل العقوبات الأمريكية، وفي ظل التقييد الهائل من قبل النظام الساقط، فإن هذه الصناعات ستتطور بصورة ملحوظة في ظل رفع العقوبات، والتسهيلات التي تقدمها الحكومة السورية الحالية.

مما سبق، نرى أن آفاق النهضة السورية الحديثة باعثة على التفاؤل، خاصة مع توفر الرغبة الدولية في استقرار البلاد، وكذلك الرغبة الإقليمية في إعادة سورية لمكانتها الطبيعية، بالإضافة للحس الوطني العالي الذي يشعر به المواطن السوري لأول مرة منذ نصف قرن، كلها عوامل تصب في بناء مستقبل سوري مشرق وواعد بالكثير.

عبد الله زيزان

عن الشبكة نت

arالعربية
جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025