فوز تاريخي لمسلم بالانتخابات التمهيدية لعمدة نيويورك.. ماذا يعني؟
في أخبار دولية
في حدث سياسي لافت يعكس تحوّلات عميقة في المزاج العام الأمريكي، فاز المرشح المسلم زهران ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، متفوقاً على منافسه الأبرز، حاكم الولاية السابق أندرو كومو، الذي أقرّ بهزيمته مبكراً أمام أنصاره قائلاً: «لم تكن الليلة ليلتنا.. لقد فاز ممداني».
بعد فرز حوالي 90% من الأصوات، حصل ممداني على 43.5% من الأصوات، مقارنة بـ36.3% لكومو.
ويحمل هذا الفوز أبعاداً رمزية وسياسية كبيرة، إذ إن ممداني، البالغ من العمر 33 عاماً، سيكون –في حال فوزه في الانتخابات العامة المقررة في نوفمبر المقبل– أول عمدة مسلم يتولى رئاسة بلدية نيويورك، وأصغرهم سناً في تاريخ المدينة.
ورغم الحملة الإعلامية المكثفة التي شُنّت ضده، التي تضمنت اتهامه بـ«معاداة السامية» و«التطرف الإسلامي» و«دعم حماس»، بسبب مواقفه الصريحة ضد حرب الإبادة في غزة، نجح ممداني في كسب ثقة الناخبين، وباتت حملته تُعدّ نموذجاً لصعود خطاب جديد في السياسة الأمريكية.
غزة أدلت بصوتها!
وفي هذا السياق، علّق عدد من الخبراء والمحللين على دلالات هذا الفوز، فقال المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في واشنطن، نهاد عوض: إن زهران ممداني، الأمريكي المسلم الفخور البالغ من العمر 33 عامًا، يصنع اليوم التاريخ بتحقيقه 43% من الأصوات في مواجهة خصمه أندرو كومو الذي حصل على 36%، رغم الإنفاق الضخم على حملة كومو التي حاولت تشويه سمعة ممداني، ودعم كبار القيادات السياسية مثل الرئيس السابق بيل كلينتون، وعمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ، إضافة إلى قيادات الحزب الديمقراطي الداعمة لـ«إسرائيل»، ومع ذلك، انهار هذا الدعم خلال ساعات فرز الأصوات.
وأضاف عوض، في منشور على حسابه بـ«فيسبوك»: لقد طالب سكان نيويورك بقيادة جديدة ومبدئية، وقد لبّى زهران هذا النداء، محطمًا الحواجز، متحديًا الصور النمطية، وملهمًا الأمل.
وتابع: لا شك أن هذا الانتصار يمثل نصراً لفلسطين، ويعكس سخط الأمريكيين من الدعاية الصهيونية ومن قادة الحزب الديمقراطي الفاسدين.
وأشار إلى أن ترشح ممداني حفّز المسلمين الأمريكيين، وزاد من انخراطهم المدني وفخرهم في مختلف المجتمعات، كما تجاوز تأثيره حدود مدينة نيويورك ليحظى بصدى واسع على مستوى البلاد.
وأكّد عوض أن ممداني والمجتمع صمدا بقوة رغم التهديدات والسخرية والهجمات «الإسلاموفوبية» التي تعرض لها من خصومه وبعض المتطرفين، داعيًا إلى تعزيز الإجراءات الأمنية لضمان سلامته وسلامة أسرته.
وقال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية خليل العناني: إن فوز زهران ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك يمهّد، على الأرجح، لفوزه النهائي في انتخابات نوفمبر، ليصبح بذلك أول مسلم يتولى هذا المنصب في تاريخ المدينة.
وأشار العناني إلى أن ممداني، المولود عام 1991م، هو شاب تقدمي ينتمي لجيل جديد من السياسيين الأمريكيين، ينحدر من عائلة مهاجرة، فوالده من أصول أوغندية، ووالدته من الهند، وهما شخصيتان معروفتان في مجالهما.
وأضاف: ليست المفاجأة فقط في شخصية ممداني، بل في هوية من هزمه؛ أندرو كومو، حاكم نيويورك السابق، ومرشح اللوبي الصهيوني، ومرشح كبار المليارديرات، والمدعوم من مراكز النفوذ داخل الحزب الديمقراطي، الذي أنفقت حملته الانتخابية أكثر من 35 مليون دولار، مقارنة بـ9 ملايين فقط لممداني.
وأوضح العناني أن الأسابيع الماضية شهدت حملة منظمة من اللوبيات الموالية لـ«إسرائيل» لتشويه صورة ممداني، عبر اتهامه بمعاداة السامية، وتوصيفه كمسلم متطرف، لمجرد أنه أدان الإبادة الجماعية في غزة، وأعلن دعمه الواضح لحقوق الفلسطينيين.
وختم بالقول: رغم تلك الهجمات، فقد حظي ممداني بدعم واسع من الشباب، والناخبين المتعلمين، والمسلمين، والآسيويين، في مقابل تصويت اليهود والسود لكومو.
أما الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، فكتب: غزة تدلي بصوتها في نيويورك! كان لمواقف ممداني ضد حرب الإبادة في غزة دورٌ كبير في فوزه، رغم حملات التشويه التي تعرض لها.
وفي السياق ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية د. عبدالله الشايجي: زهران ممداني مهاجر مسلم، نال الجنسية الأمريكية قبل 7 سنوات فقط، وهزم حاكم الولاية السابق في مدينة تُعدّ الأكبر في أمريكا، وفيها أكبر عدد من المليارديرات، وأكبر جالية يهودية خارج فلسطين المحتلة.
قلق «إسرائيلي»
صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية علّقت على نتائج الانتخابات بالقول: في الأوساط المؤيدة لـ«إسرائيل»، هناك قلق مفهوم من احتمال انتخاب ممداني عمدة لنيويورك، مشيرة إلى أن المدينة تحتضن أكثر من 1.6 مليون يهودي؛ ما يجعلها أكبر تجمع لليهود خارج «إسرائيل».
وأشارت الصحيفة إلى أن ممداني أعلن صراحةً أنه في حال انتخابه، سيصدر أمرًا باعتقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حال وصوله إلى المدينة، تنفيذًا لمذكرة التوقيف الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية.
ويرى مراقبون «إسرائيليون» أن فوز ممداني لا يعكس فقط صعود شخصية سياسية من أصول إسلامية، بل يعبر عن انزياح في الرأي العام الأمريكي –لا سيما بين الشباب– تجاه القضية الفلسطينية، في ظل ما أحدثته حرب غزة من تعاطف واسع مع المدنيين، وانتقاد علني للسياسات «الإسرائيلية» حتى داخل الحزب الديمقراطي نفسه.
سيف باكير
2025-06-26