الرئيسية 08 الشبكة الاسلامية 08 احوال المسلمين 08 لماذا لا تزال المباحث الأمريكية تراقب المسلمين منذ هجمات سبتمبر 2001م؟

لماذا لا تزال المباحث الأمريكية تراقب المسلمين منذ هجمات سبتمبر 2001م؟

يدرك مسلمو أمريكا أن المباحث الفيدرالية الأمريكية (FBI) وجهات أمنية أخرى تراقب غالبيتهم وتتجسس على مساجدهم ومنازلهم، كما كشفوا في وقائع عديدة سابقة، لكن تسريب تقرير أمريكي رسمي يبين أسرار هذه المراقبة كشف أسباباً صادمة.

«مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية» (كير) أعرب، في 4 يوليو 2023م، عن صدمته حيال أحدث قائمة مراقبة سرية تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، تحتوي على أسماء مسلمين أدرجوا فيها منذ هجمات 11 سبتمبر 2001م، ووصلت نسخة منها إلى «كير»، وتساءل عن أسباب استمرار مراقبة المسلمين ومساجدهم والتجسس عليهم بعد مرور 22 عاماً على هجمات 11 سبتمبر، التي لم يقم بها المجتمع الأمريكي المسلم، وإنما أفراد من تنظيم «القاعدة»، بحسب التحقيقات الأمريكية، يخالفهم الرأي معظم مسلمي أمريكا.

وأصدر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية تقريراً، في 12 يونيو 2023م، بعنوان «عشرون عاماً كافية جداً.. دعوة لوقف قائمة المراقبة السرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي»، أوضح بالتفصيل كيف استخدام مكتب التحقيقات الفيدرالي قاعدة بيانات فحص الإرهاب لاستهداف المسلمين.

ودعا مجلسُ العلاقات الإسلامية الرئيسَ الأمريكي جو بايدن لاتخاذ إجراءات لمعالجة قائمة المراقبة، بعدما وجد تقرير المجلس أن الغالبية العظمى، المقدرة بنحو 98%، من الأسماء المدرجة في قائمة المراقبة أسماء إسلامية.

وقال: إن اسمي «محمد» و«عليّ» فقط ذُكرا أكثر من 350 ألف مرة في قاعدة بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأهم 50 اسماً تكراراً كلها أسماء إسلامية.

وقد علق على ذلك غدير عباس، المحامي البارز في «كير» ومقره واشنطن، قائلاً: إن قائمة مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي تُظهر أن المسلمين مُدرجون، وتتم مراقبتهم ومتابعتهم منذ سنوات، مضيفاً: لقد عرفنا منذ سنوات عديدة أن المسلمين مراقبون، لكن رؤية هذه القائمة عن كثب أمر صادم للغاية.

98 % من الأسماء المدرجة في قائمة المراقبة إسلامية وأهم 50 اسماً تكراراً كلها لمسلمين

وأشار عباس، لوكالة «الأناضول»، في 4 يوليو 2023م، إلى أنه تتم مراقبة المسلمين من خلال المساجد الموجودة في الولايات المتحدة، وعددها نحو 2500 مسجد.

وأوضح أن هذه القائمة تبرز عمليات تجسس على المسلمين في الولايات المتحدة، منذ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش إلى عهد الرئيس الحالي بايدن، ورأى أن ممارسات مكتب التحقيقات الفيدرالي تؤثر على حياة المسلمين اليومية؛ لأن التقارير تتم مشاركتها مع أكثر من 60 دولة وشركات خاصة ومستشفيات وجامعات؛ مما يؤدي إلى فرض قيود على المسلمين وتصنيفهم إرهابيين محتملين في سياقات مختلفة.

ولفت عباس إلى عدم وجود أساس قانوني لتلك الممارسات ضد المسلمين، وقال: بما أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لديه سلطة إدراج أسماء، فلا توجد قيود قانونية على هذه العملية؛ مما يسمح للوكلاء بإدراج الأفراد لأي سبب من الأسباب، ملقياً اللوم في هذا الشأن على عدم سيطرة الحكومة، مشيراً إلى أن هذا السبب يبرر أيضاً القدرة على الوصول إلى القائمة السرية التي تحتوي على ملايين الأسماء العائدة لأشخاص مسلمين، ونشر محتواها على العلن.

وفي عام 2019م، تمكن مخترق سويسري من الكشف عن قائمة مراقبة سرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

مشكلات جمة للمسلمين بسببها

وقال موقع «عرب أمريكا»، في 25 يونيو 2023م: إنه على مدى عقدين من الزمن، تسببت قائمة المراقبة السرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي في حدوث مشكلات وخوف داخل المجتمع المسلم، وأوضح أن الأفراد المدرجين في قائمة المراقبة يواجهون العديد من التحديات، بما في ذلك قيود السفر، وتطبيق القانون عليهم، وقضايا الهجرة، وحالات عنف من الشرطة، وصعوبات في الحصول على التصاريح والتراخيص ومشكلات مهنية تعيق حياتهم اليومية وتديم مشاعر التهميش والوصم لهم.

وقد كشف موقع « global village space»، في 5 يوليو 2023م، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يسعى لإجبار الأفراد الموجودين في قائمة المراقبة على أن يصبحوا مخبرين له على المسلمين والموظفين المدنيين البارزين، ويطلب منهم التجسس وتقديم معلومات عن الجالية المسلمة.

وكمثال على ما يواجه المسلمين بسبب هذه القوائم التي تعدها المباحث الفيدرالية، تم منع رئيس بلدية مسلم، في 1 مايو 2023م، من دخول البيت البيض لحضور حفل عيد الفطر الذي يقيمه الرئيس لمسلمين بارزين في الولايات المتحدة، فقد كان من بين المدعوين لحفل إفطار البيت الأبيض محمد خير الله، رئيس بلدية منطقة بروسبكت بارك في ولاية نيو جيرسي، ولكن قبل نصف ساعة من موعد وصوله إلى البيت الأبيض تلقى مكالمة هاتفية تخبره أنه لم يعد مدعواً، لقد رفض جهاز الخدمة السرية السماح له بالدخول، والسبب أنه مدرج ضمن قاعدة «إف بي آي» للمسلمين المراقبين! بحسب موقع «nbcnewyork 3»، في مايو 2023م، بينما السبب الحقيقي هو «التنميط المتصور» له كمصدر إرهابي محتمل مع أنه رئيس بلدية أمريكي!

وقال خير الله، لـ«موقع التلفزيون التركي الإنجليزي» (TRT World): لا أعرف كيف تم وضعي على هذه القائمة للمباحث الفيدرالية، ربما لأن غالبية الأشخاص الموجودين في تلك القائمة هم إما مسلمون أو عرب، أو ربما لأني عطست خطأ!»، كما يقول ساخراً.

أسماء «محمد» و«علي» ذُكرا أكثر من 350 ألف مرة بقاعدة بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي

ودعا خير الله إلى إصلاح عاجل في إنشاء وصيانة قائمة المراقبة، وشدد على الحاجة إلى عملية شفافة للسماح للأفراد بالدفاع عن أنفسهم ضد أي دليل إدانة مزعوم تم إدراجه في القائمة حتى يتم حذفهم منها تماماً، وقال: إن إصلاح عملية تجميع قائمة المراقبة يجب أن يكون أولوية قصوى في الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2024م، ومن الأهمية بمكان بالنسبة للمنظمات الإسلامية والمجتمع المسلم أن يتعاملوا مع هذا الموضوع باعتباره موضوعاً رئيساً وجاداً.

وأضاف: لا يقدم الوكلاء الفيدراليون أي تفسيرات بخصوص قائمة المراقبة للمسؤولين المنتخبين أو أعضاء الكونجرس أو أعضاء مجلس الشيوخ، ويؤدي هذا الافتقار إلى الشفافية إلى تفاقم وضع المواطنين المسلمين المدرجين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ويواجه الأشخاص المدرجون في قوائم المراقبة مجموعة من التحديات، بما في ذلك قيود السفر، وتعقيدات في قضايا الهجرة، إضافة إلى حالات عنف من الشرطة، وصعوبات في الحصول على التصاريح والتراخيص، وغيرها من المعوقات المهنية التي تحد تحركاتهم ونشاطاتهم.

لماذا التجسس؟

في 24 فبراير 2023م، ذكر تقرير نشره موقع «كاونتر بانش» الأمريكي بعنوان «التجسس على المسلمين خير.. التجسس على المسيحيين سيئ”، أن هناك معايير مزدوجة في التعامل مع المسلمين، وقال: إن الجهات الأمنية والإعلامية الأمريكية تتعامل مع المجموعات الدينية الأمريكية المختلفة، خاصة المسلمين، بـ«ازدواجية عدائية معيبة»؛ حيث تعتبر المتطرفين المسيحيين غير إرهابيين ولا يجب التجسس عليهم، بينما في المقابل تنظر إلى التجسس على المسلمين باعتباره «أمراً مفيداً وضرورياً، ويجب ألا يُنظر له على أنه يشكل أي خرق لحقوقهم وخصوصيتهم»!

تزامن هذا مع كشف صحيفة «الجارديان» البريطانية، في 25 فبراير 2023م، مجموعة من الوثائق المسربة التي تشير إلى مجموعة سرية داخل البرلمان البريطاني تقود حملات تجسس وتشويه ضد المسلمين بالتعاون مع ناشطين من اليمين المسيحي المتطرف، وأوضحت أن هذا التجسس يتم منذ أكثر من عقد، وأن هذه المنظمة (تسمى «مجموعة القضايا الجديدة») تضم زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة السابق مالكولم بيرسون، ونائب رئيس مجلس اللوردات السابق من حزب المحافظين البارونة كوكس.

ويرى مراقبون أن استمرار التجسس على المسلمين والتحريض ضدهم في أمريكا وأوروبا له جذور دينية تمتد لعداء التيار الإنجيلي المتطرف في أمريكا، ومؤيدي أفكار الحروب الصليبية في الغرب خاصة بريطانيا وفرنسا للمسلمين.

آخرون يربطون الأمر بالتفوق الكبير الذي حققه مسلمو الغرب في المجالات المختلفة بعدما انخرطت الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين في الحياة السياسية وحققوا نجاحات، أثارت حنق متطرفين غربيين ضدهم.

رئيس بلدية مسلم تم منعه مع دخول البيت الأبيض لأن اسمه في القوائم!

وأكدت مجلة «إيكونوميست» البريطانية، في تقرير نشرته في ذكرى 11 سبتمبر 2021م، أن شيطنة المسلمين في أمريكا بعد هجمات عام 2001م لم تمنع من صعودهم وتحقيقهم إنجازات مهمة، وقالت: إن الـ20 عاماً الماضية كانت فترة ذهبية للمسلمين الأمريكيين، فقد تضاعف عددهم إلى 3.5 ملايين، وزاد حضورهم في الحياة العامة أضعافاً مضاعفة، وزاد عدد المساجد في مرحلة ما بعد عام 2001م إلى الضعف، موضحة أن المسلمين الأمريكيين أكثر الأقليات الدينية تعلماً؛ حيث تبلغ نسبة الأطباء المسلمين في ميتشغان 15%، مع أن عددهم لا يشكل سوى 3% أو أقل من السكان، وأضافت: لا تسأل عن أعداد الفنانين والصحفيين والسياسيين المسلمين الذين ظهروا في السنوات الأخيرة ولا مسلمي نواب الكونجرس؛ مثل رشيدة طليب، وإلهان عمر، أول امرأة محجبة تنتخب للكونجرس، بخلاف أعداد لا تحصى من المسؤولين المسلمين الذين تم انتخابهم في مجالس المدارس والحكومات المحلية، وكل هذا دليل على استقواء المسلمين بعد هذه الهجمات وتعزيز وجودهم.

ومعروف أن مسلمي أمريكا فاز منهم في انتخابات أمريكا عام 2020م قرابة 71 مسلماً في مناصب نيابية وحكومية مختلفة، كما حققوا رقماً قياسياً جديداً في الانتخابات النصفية عام 2022م، ونجح من إجمالي مرشحيهم الـ146 قرابة 82 فائزاً، منهم 3 نواب بعضوية مجلس النواب (الكونجرس العام)، و38 في برلمانات 23 ولايات أمريكية.

وبحسب ما كشفه موقع «كاونتر بانش» السابق الإشارة إليه، ترى تلك الأجهزة الاستخباراتية والوسائط الإعلامية الأمريكية أن التجسس على المسلمين «أمر حميد ومقبول»، بسبب الصورة النمطية المبنية عنهم كـ«متطرفين»! لكنها في المقابل، تجد هذا التجسس «تصرفاً سيئاً مرفوضاً» إذا طال المسيحيين، وفق المقال، لأن المسيحي المتطرف (الإنجيلي الأبيض) في العرف الأمريكي يعتبره البعض «وطنياً» أو «باتريوت»، ولا يوصف كمتطرف ديني! وفق «كاونتر بانش».

وقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة «رايس»، في 30 يونيو 2022م، أن المسلمين في الولايات المتحدة أكثر عرضة بـ5 مرات لمضايقات الشرطة بسبب دينهم مقارنة بالديانات الأخرى.

وقال أرجون سيثي، محام في واشنطن وناشط في مجال الحقوق المدنية والاجتماعية في مقال بموقع «CNN 26»، في فبراير 2014م: إن التجسس على المسلمين في أمريكا أصبح قانونياً عقب هجمات 11 سبتمبر، وأوضح أن المسلمين في أمريكا خسروا حقاً من حقوقهم والمتمثل بـ«الخصوصية» بعد أن أصدر قاض فيدرالي بنيوجيرسي، في عام 2012م، بأن مراقبة المسلمين بوسائل لا تثير الشكوك مسموح بها وفقاً لدستور الولايات المتحدة الأمريكية.

وحذر سيثي من أن العديد من المسلمين في نيويورك يعيشون تحت مظلة الخوف؛ ليس لأن لديهم ما يخفونه، ولكن لأنهم يريدون أن يتركوا بسلام دون أن يراقبهم أحد وهم يصلون أو ترتدي نساؤهم الحجاب.

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: