في الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل والولايات المتحدة عن مرحلة تهدئة في قطاع غزة، تتواصل العمليات العسكرية بوتيرة متفاوتة، لتكشف ما يصفه محللون فلسطينيون بأنه “هدنة مشروطة بالنار”، حيث يختلط الحديث عن وقف إطلاق النار باستمرار القصف والاغتيالات، وسط صمت دولي وتبرير أميركي متكرر لما يجري.
ونفذ جيش الاحتلال منذ مساء الثلاثاء وحتى صباح اليوم الأربعاء، عشرات الغارات على أرجاء قطاع غزة أسفرت عن أكثر من 100 شهيد بينهم 35 طفلا وعشرات الإصابات، في أقل من 12 ساعة، قبل أن يعلن عند العاشرة من صباح اليوم استئناف وقف إطلاق النار بناءً على توجيهات المستوى السياسي.
واستأنف جيش الاحتلال عمليات القتل في غزة بحجة مقتل جندي إسرائيلي برصاص قناص في رفح الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة، وهو الحدث الذي نفت المقاومة علاقتها به بشكل قاطع. ومع ذلك، سارعت سلطات الاحتلال إلى توظيف الحدث كغطاء لاستئناف الحرب، في استمرار واضح لسياسة خرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لم تلتزم إسرائيل منذ لحظة إعلانه.
ويقول الخبير العسكري العميد حسن جوني إن الغارات الجوية وعمليات القتل التي تمارسها قوات الاحتلال تجاه كلما تعتبره خرقاً للاتفاق، يرمي إلى فرض وضع جديد عقب المرحلة الأولى من الاتفاق، يشمل “استهداف واغتيال” مقاتلين معينين بذريعة انتهاك تفاهمات أو إعادة بناء بنى تحتية للمقاومة.
وحذّر الخبير العسكري من أن تحويل هذا النهج الإسرائيلي إلى سلوك متكرر يشكل خطرا إذا ما استمر.
سيولة النار
في حين، يرى الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي، أن إسرائيل وواشنطن تتبنيان شكلاً جديدًا من وقف إطلاق النار، يقوم على إبقاء اليد العسكرية طليقة مع الحفاظ على صورة سياسية هادئة.
ويشير الريماوي في حديث لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يعتمد ما يسميه بـ “سيولة النار”، أي تنفيذ عمليات محدودة ومستمرة ضد أهداف يراها تهديدًا أمنيًا، دون أن يُعتبر ذلك خرقًا رسميًا للهدنة.
ويضيف أن إسرائيل تسعى لتسويق نفسها أمام العالم كطرفٍ ملتزم بالتهدئة، بينما تقدم للولايات المتحدة رواية مغايرة تزعم فيها أن هناك تهديدات أمنية مستمرة تبرر العمليات العسكرية في غزة ولبنان وسوريا.
أما واشنطن، فيبدو أنها تتبنى هذه الرؤية، ما يمنح الاحتلال مساحة للتحرك العسكري دون ضغط سياسي فعلي.
ويؤكد الريماوي أن الخطة الإسرائيلية في قطاع غزة تقوم على ثلاث ركائز رئيسية: الأولى الاغتيالات المستمرة لشخصيات وازنة تعتبرها قوات الاحتلال مؤثرة في بنية المقاومة.
أما الركن الثاني فهو الضغط الاجتماعي والميداني عبر استمرار القصف وهدم البنية التحتية وإضعاف البيئة المدنية.
في حين أن الركن الثالث هو إعادة ترتيب الجغرافيا من خلال توسيع المناطق التي تصفها إسرائيل بـ«الآمنة»، وخلق مناطق نفوذ لمجموعات مسلحة موالية لها، في محاولة لتكريس واقع أمني وجغرافي جديد يقسم القطاع إلى مناطق تحت سيطرة المقاومة وأخرى خاضعة للاحتلال.
ذرائع للسيطرة النارية
وفي الإطار ذاته، يقول الكاتب السياسي عزيز المصري، إن الخرق المزعوم الذي سوغه نتنياهو وجوقته للتصعيد، هو الاستعراض الإعلامي في طريقة تصوير واستخراج جثة المحتجز الإسرائيلي في خانيونس بشكل استعراضي.
ويقول في منشور على موقع فيسبوك، إن الإدارة الأمريكية ردت على هذا المبرر بالقول “هذا خرق معنوي وليس مادي ولا يستحق الرد وأن حصل رد يجب أن يكون في أضيق صورة لإشباع الغرور”، مشيرا إلى تبخر الحدث الأمني المزعوم في رفح، لأنه لم يكن موجود أساساً.
ويضيف إن ما يجري هو محصلة أمنية لعملية جمع بنك أهداف في فترات التقاط الأنفاس منذ إعلان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الجاري، “اخترع حجة للتصعيد لإشباع الغرور والسطوة والسيطرة.. هذا السيناريو الإسرائيلي في التعامل هذه الفترة”.
هدنة على الورق
من جانبه، يرى الباحث السياسي عماد أبو عواد أن ما يحدث في غزة ليس وقفًا لإطلاق النار بقدر ما هو إدارة مدروسة لوتيرة إطلاق النار.
ويقول أبو عواد في تصريح لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام إن الخروقات اليومية التي تشهدها غزة، وسقوط الشهداء المستمر، يعكسان محاولة إسرائيلية لإبقاء الهدنة ضمن القدرة على التصعيد، بحيث تظل قادرة على فتح النار متى شاءت، تحت ذريعة “الرد على انتهاكات المقاومة”.
ويضيف أن إسرائيل تحاول إقناع واشنطن والعالم بأنها أوقفت الإبادة وتدافع عن نفسها، بينما تستمر فعليًا في تشويش الحياة اليومية داخل القطاع، وإبقاء الوضع الإنساني والأمني في حالة احتقان دائم.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة تتجاوب مع هذه الرواية، ما يتيح لإسرائيل ممارسة تصعيدها دون خوف من المساءلة الدولية.
الوسطاء بين الواقع والمأزق
ويرى أبو عواد أن الاحتلال يفهم الهدنة من منظوره الخاص، فهي لا تعني إنهاء الحرب، بل مجرد تجميد العمليات الكبرى مع إبقاء خيار التصعيد مفتوحًا.
ويحذر من أن استمرار هذا النمط يجعل دور الوسطاء – خصوصًا مصر وقطر – أكثر صعوبة، إذ يتطلب منهم كبح الخروقات الإسرائيلية المتكررة ومنع تحول الهدنة إلى غطاء لاستمرار العدوان.
ما بين رؤية الريماوي والمصري وتحليل أبو عواد، تبدو صورة الواقع في غزة متناقضة: هدنة تُعلن سياسيًا، لكنها تُخرق ميدانيًا؛ وهدوء يُسوَّق إعلاميًا، بينما تستمر نيران الحرب المنضبطة في التهام ما تبقّى من مقومات الحياة في القطاع.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام
 الشبكة الجزائرية نت البوابة الجزائرية للاعلام والثقافة
الشبكة الجزائرية نت البوابة الجزائرية للاعلام والثقافة
				 
 
		
 
											 
											 
											 
											 
											 العربية
العربية