لم يكن “عيد الغفران” المزعوم لدى الصهاينة سوى فرصةٍ حقيقيةٍ وسانحةٍ لجماعات الهيكل والمستوطنين المتطرفين لتكريس تهويد المسجد الأقصى والانتهاكات المرتكبة بحقه، واستغلال حرب الإبادة الجماعية والصمت العالمي إزاء الجريمة، لإعلان السيادة على المسجد الأقصى عبر “نفخ البوق” الذي تمّ اليوم ليشكل تأسيسًا معنويًا لهيكلهم المزعوم في ظل عجز العرب والمسلمين عن الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
وفي هذا السياق أشار الباحث المختص في الشأن المقدسي زياد ابحيص إلى أنّ نفخ البوق مساء “عيد الغفران” يُقصد به إعلان نهاية “أيام التوبة” العشرة التي هي الأيام الأولى من السنة العبرية، ويشكل “عيد الغفران” آخر تلك الأيام وذروتها، ولذلك يُعرف بـ”سبت الأسبات” ويعتبره اليهود أعظم أيام السنة ويصومون فيه عن كل فعل دنيوي بما يشمل الطبخ والتنزه وتشغيل الأجهزة والمركبات واستخدام المواصلات.
كأنّه الهيكل المزعوم
وأكد ابحيص في تصريحاته للمركز الفلسطيني للإعلام أنّ جماعات الهيكل على نفخ البوق في المدرسة التنكرية القائمة فوق الرواق الغربي من جهة باب السلسلة تعويضاً عن نفخه في الأقصى، لكون وقت نفخه بعد غروب الشمس يأتي خارج أوقات الاقتحام التي فرضتها شرطة الاحتلال.
ولفت إلى أنّ الهدف من نقل هذه الطقوس إلى المسجد الأقصى هو التعامل معه وكأنه قد بات الهيكل المزعوم، إذ تعتبر جماعات الهيكل فرض طقوسها في الأقصى “تأسيساً معنوياً” للهيكل، على طريق تأسيسه المادي.
وشدد ابحيص إلى أنه وفي الوقت عينه، ينظر الصهاينة إلى نفخ البوق باعتباره “إعلان سيادة” ولذلك يحرصون على تكراره في الأقصى، وفي محيطه في المدرسة التنكرية وفي مقبرة باب الرحمة وعلى أبوابه، وقد حرصوا على نفخه في الأقصى وفي ساحة البراق عند احتلالهما لأول مرة عام 1967، وفي سيناء كذلك عند احتلالها أول مرة عام 1956.
وختم بالتعبير عن أسفه من الحالة التي وصل إليها العرب والمسلمون في الصمت على الانتهاكات المتواصلة بحق الأقصى، قائلا: كان العجز أولاً عن تحرير المسجد الأقصى، ثم بات عجزاً عن الدفاع عن هوية الأقصى، واليوم ينتقل ليصبح عجزاً حتى عن توثيق العدوان عليه! فإلى متى يترك لهذا المصير؟
تكريس التمييز العنصري وتهويد الأقصى
بدورها أكدت محافظة القدس أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي استغلت ما يسمى “عيد الغفران” لفرض حصار خانق على المدينة وتشديد القيود على أهلها، في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى تكريس التمييز العنصري وتهويد المسجد الأقصى المبارك ومقدسات القدس الإسلامية والمسيحية.
وأوضحت المحافظة في بيان صدر مساء الخميس، أن قوات الاحتلال أغلقت عشرات الشوارع الرئيسية، ونصبت الحواجز الحديدية والمكعبات الإسمنتية على مداخل الأحياء والبلدات المقدسية، ومنعت وصول المركبات والمواصلات العامة، ما تسبب بشلل شبه كامل في الحركة وأزمات مرورية خانقة، أجبرت المقدسيين على سلوك طرق بديلة وفاقمت من معاناتهم اليومية.
وخلال “عيد الغفران”، شهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامات واسعة نفذها مئات المستعمرين، حيث اقتحم (547) مستوطناً باحات الأقصى عشية العيد يوم الأربعاء، فيما واصل (468) آخرون اقتحاماتهم اليوم الخميس، تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال التي وفرت لهم الأجواء لأداء طقوس تلمودية وجولات استفزازية.
وأقدمت سلطات الاحتلال على إبعاد عشرات المقدسيين عن المسجد الأقصى خلال شهر أيلول الماضي تمهيدًا لهذه الاقتحامات، بينما أدى آلاف المستوطنيين صلوات جماعية عند حائط البراق، ونفخ آخرون البوق (الشوفار) فوق قبور المسلمين في مقبرة باب الرحمة في مشهد استفزازي خطير.
تشديد القيود على دخول المصلين
كما شددت قوات الاحتلال قيودها على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة، وأجبرت أصحاب المحال التجارية على إغلاق أبوابها بالقوة، ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تكريس السيطرة الاستعمارية على المكان وتفريغه من المصلين وأهله الأصليين.
وفي موازاة ذلك، أغلقت قوات الاحتلال مداخل قرية العيسوية ومدخل أم طوبا، وقطعت شوارع رئيسية في الشيخ جراح وبيت حنينا وشارع رقم (1)، مع نشر حواجز “طيّارة” وتدقيق مشدد في بطاقات المواطنين والمركبات. كما منعت حركة الفلسطينيين من الشطر الشرقي للقدس نحو مركز المدينة حيث يقع المسجد الأقصى.
وأكدت محافظة القدس أن هذه الممارسات ليست إجراءات أمنية مؤقتة، بل سياسة إحلال استيطاني ممنهجة تستهدف تفريغ القدس من سكانها الأصليين وتكريس نظام “الأبارتهايد” الاستعماري.
وجددت دعوتها إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان لتحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية في وقف هذه الانتهاكات الجسيمة، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة، وفضح سياسات الاحتلال التي توظف الأعياد اليهودية لفرض مزيد من التضييق والتهويد على المدينة المقدسة ومقدساتها.
وشددت محافظة القدس على أن صمت المجتمع الدولي أمام هذه الانتهاكات يساهم في تمادي الاحتلال في سياساته الاستعمارية، الأمر الذي يشكل تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام