في 12 أغسطس 2025م، وبين أضواء ستوديو قناة «i24NEWS» اليمينية «الإسرائيلية»، أجرى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو مقابلة مطولة أكد خلالها ارتباطه برؤية «إسرائيل الكبرى»؛ بدعوى أنه في «مهمة تاريخية وروحية»!
لم يأت هذا الارتباط وليد اللحظة أو زلة لسان، وإنما مصطلح «إسرائيل الكبرى» اتسع الحديث عنه داخل الكيان الصهيوني بعد هزيمة يونيو 1967م، واحتلال «إسرائيل» لمناطق شاسعة من الأراضي العربية، بين القدس الشرقية والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والجولان، في حال من النشوة الصهيونية بمحاولة الوصول إلى الأحلام القديمة الجديدة بتحقيق ما أسموه بــالوعد الإلهي لليهود.
نتنياهو في «مكان تحت الشمس»!
ومع محاولة نتنياهو وحكومته التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية واحتلال قطاع غزة، تتوازى معه خطوات صهيونية أخرى تتمثل في الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، حيث يتوارى الحديث عنها في خضم الحديث عن حرب غزة ونتائجها وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط، وتقود شخصيات بعينها الهجوم على أولى القبلتين ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم.
نتنياهو يتبنى الأيديولوجيا الداعية لهدم «الأقصى» وتثبيت مزاعم اليهود بالضفة
ويتزعم رئيس الوزراء الصهيوني نفسه هذا التيار ويقوده، بقوة، خاصة لو قلنا: إن حواره مع «القناة 24» العبرية لم يكن صدفة أو زلة لسان، فقد عبَّر نتنياهو عن أفكاره اليمينية المتطرفة قبيل توليه السلطة في ولايته الأولى في العام 1996م، حينما أصدر كتابه «مكان تحت الشمس»، في العام 1993م؛ ما يعني أن نتنياهو جزء رئيس من التيار اليميني المتطرف الذي يحمل على أكتافه فكرة «إسرائيل الكبرى»، وبناء «الهيكل الثالث» على أنقاض المسجد الأقصى.
التيار المسيحاني والفكر الأيديولوجي لنتنياهو
يردد البعض أن نتنياهو يخضع لابتزازات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ولكنه يقود هذا التيار المسيحاني المتطرف ويتزعمه بنفسه، حيث يتبنى في كتابه الفكر الأيديولوجي اليميني القائم على فكرة هدم المسجد الأقصى وإقامة «الهيكل الثالث»، والحقوق المزعومة لليهود في الضفة الغربية.
ومن هنا، لا نرى أي رد فعل لنتنياهو على الاختراقات المستمرة للمسجد الأقصى من قبل وزراء ومسؤولين وأعضاء كنيست، حيث يغض الطرف عن تلك الاعتداءات، فهو يدعمها ويقويها، ولا ننسى هنا زيارته المثيرة للجدل لنفق ضخم محفور تحت المسجد، في مايو الماضي، حيث زعم، آنذاك، أن القدس ستظل العاصمة الأبدية لـ«إسرائيل»، داعياً دول العالم للاعتراف بها ونقل سفاراتها إليها.
الأفكار المشبعة بمزاعم مظلومية اليهود
يبرز اسم بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، كإحدى الشخصيات المتطرفة في حكومة نتنياهو، والمعروف بمواقفه المتشددة تجاه المسجد الأقصى، حيث ينادي بفرض السيطرة الكاملة على المسجد، والسماح لليهود بحرية الصلاة في باحاته؛ فهو مستوطن يحمل أفكاراً مشبعة بمزاعم مظلومية اليهود، ووجوب الحفاظ على أرض «إسرائيل الكبرى» واعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان.
نشأ سموتريتش في أحضان التطرف منذ نعومة أظفاره، فوالده حاخام معروف بتطرفه الشديد، تعلم في المعاهد الدينية الإشكنازية في مدينة القدس المحتلة، وتربى تربية دينية يمينية، ويعرف هو ووالده بإيمانهما القوي بفكر النقاء اليهودي بين النهر والبحر.
بن غفير.. وأكبر اقتحام عددي لـ«الأقصى» في يوم واحد
تتوازى زعامة نتنياهو للأفكار اليمينية المتطرفة، مع سماحه للكثير من الوزراء بالتعدي على المسجد الأقصى، ويقودهم إيتمار بن غفير، الذي يحاول، بين يوم وآخر، من خلال اقتحاماته المتكررة للمسجد، إلى فرض واقع تهويدي جديد في القدس، في ظل صمت فلسطيني عربي ودولي مُحيِّر.
بن غفير يستمد أفكاره من حركة «كاخ» الداعية لطرد الفلسطينيين وبناء «الهيكل»
قاد بن غفير ما يزيد عن 3 آلاف مستوطن متطرف في 3 أغسطس 2025م، أكبر اقتحام عددي لـ«الأقصى» من قبل الصهاينة في يوم واحد منذ احتلاله؛ حيث أدوا صلاة «بركة الكهنة»؛ وهي صلاة توراتية خاصة يقوم بها الحاخام بمرافقة تلاميذه ويرفعون فيها أيديهم ويبسطونها فوق رؤوسهم ويتلون بعض الفقرات من التوراة، خاصة من «سفر العدد».
«كاخ».. مفرخة الإرهاب!
ويستمد بن غفير أفكاره المتطرفة من الحاخام مائير كاهانا، مؤسس حركة «كاخ» اليمينية، التي انضم إليها في سن مبكرة، حينما كان عمره 16 عاماً، وهي الحركة القائمة على الجمع بين التدين السياسي والممارسات العنيفة بحق الفلسطينيين، التي تؤمن بضرورة إخراجهم بالعنف والقوة، وبعودة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية وإقامة «الهيكل الثالث» على أنقاض المسجد الأقصى؛ مع التأكيد على أن الوزير الصهيوني ما يزال يضع على جدار منزله صورة لباروخ جولدشتاين، منفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي التي راح ضحيتها 29 مصلياً في العام 1994م، في وقت يرى بعض الصهاينة في بن غفير بمثابة رسول الكاهانية ويتساوى مع كبار الحاخامات في مكانتهم الدينية لدى طائفة واسعة من الصهاينة المتطرفين بالكيان!
يرافق بن غفير في تحركاته، وكأنه ظله، خاصة ما يتعلق منها بشأن «الأقصى»، عضو الكنيست عن حزب «عوتسماه يهوديت» تسيفي سوكوت، الذي اعتاد على «السجود الملحمي» أو الانبطاح الكامل على الأرض، داخل الحرم القدسي والصلاة في المسجد الأقصى؛ وهو النائب الذي سبق وشارك في إحراق مسجد بالضفة الغربية في العام 2009م، وبعدها يشارك دوماً في تدشين بؤر استيطانية في أنحاء واسعة من القدس والضفة، ويساعد حركات متطرفة مثل «أمناء الهيكل» و«لاهافا» و«فتيان التلال»، بل تعتبره هذه الحركات بمثابة أحد الآباء الروحيين لها، في الوقت الراهن.
جماعات «الهيكل الثالث»
وإذا قلنا: إن سوكوت يقف على يمين بن غفير، فإن هناك شخصية صهيونية أخرى لا تقل عنهما تطرفاً، وهو عضو الكنيست عن حزب «الليكود» الحاكم عاميت هاليفي، وهو دائم في حركته ونشاطه الصهيوني مع منظمات وجماعات هدم الأقصى وإقامة «الهيكل الثالث».
سوكوت.. النائب المتطرف المروج للاستيطان والداعم لحركات «أمناء الهيكل»
فيما يدشن تواجد سوكوت، وهاليفي، مع وزير تطوير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف، مرحلة جديدة من الحركة الصهيونية، خاصة وأن جميعهم لا تتخطى أعمارهم الأربعين عاماً (سوكوت 35 عاماً، فاسرلاوف 35 عاماً)، ويتبنون أفكاراً مسمومة، تقوم على إعادة توطين اليهود في قطاع غزة، وهدم المسجد الأقصى وزيادة رقعة الاستيطان في الضفة الغربية؛ حيث يرى ثلاثتهم أن النصر الكامل في غزة يتطلب إعادة توطين اليهود وتهجير الفلسطينيين من القطاع.
ستروك.. وزيرة الاستيطان
لم تقف الزعامات الصهيونية الداعية لهدم المسجد الأقصى على العنصر الرجالي فحسب، فهناك أوريت ستروك، وزيرة الاستيطان، التي تعتبر من أقطاب الحركة الصهيونية في الوقت الحالي، فهي إحدى القيادات النسوية النشطة في حركة الاستيطان، وسبق لها تأسيس منظمة غير حكومية تدعم إقامة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، ولا غرو في الحديث عن كون منزلها الأول في مستوطنة ياميت بشبه جزيرة سيناء المصرية، وبعد إخلاء المستوطنة فور إعادة سيناء للأحضان المصرية، انتقلت عائلة ستروك للعيش في مستوطنة بمدينة الخليل.
القدس العاصمة الأبدية للكيان
ومع كونها عضوة بالكنيست عن حزب «عوتسماه يهوديت» بزعامة بن غفير، فهي تستند في فكرها اليميني المتطرف إلى تفكيك حركة «حماس» وتهجير الفلسطينيين من غزة وإقامة مستوطنات يهودية على أراضي القطاع، وإقامة «الهيكل الثالث»، واعتبار القدس العاصمة الأبدية للكيان.
تستند أفكار تلك الشخصيات التي يقودها نتنياهو على أفكار تلمودية مغلوطة تقوم على الإيمان بفكرة «إسرائيل الكبرى» والقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، التي لا يمكن أن تستمر دون تهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنة وهدم المسجد الأقصى.
د. خالد سعيد