جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025
الرئيسية 8 الشبكة الاسلامية 8 شبكة المقالات 8 المُبشَّرون بالجنة.. والخلود في جهنم!

المُبشَّرون بالجنة.. والخلود في جهنم!

سؤال يتعلق بالتوفيق بين النصوص الدينية وأحداث الفتنة الكبرى، وهو موضوع شغل علماء الإسلام والمؤرخين على مر القرون، ويعود الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الملحدين الذين يسخرون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بُشِّروا بالجنة وكيف وقع الاقتتال بينهم!

لنعود إلى السياق التاريخي، وتحديدًا معركة «الجمل» (36هـ) التي شهدت مواجهة بين صحابة كبار مثل عليّ بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وكلهم من العشرة المبشرين بالجنة بناءً على أحاديث نبوية صحيحة، مثل حديث: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة..» (سنن الترمذي)، فالقتال بينهم لم يكن نابعًا من عداوة شخصية أو كفر، بل من اختلاف في الاجتهاد السياسي حول كيفية معالجة مقتل عثمان بن عفان والحفاظ على وحدة الأمة:

فعليّ: رأى أن تأخير القصاص من قتلة عثمان ضروري لاستقرار الدولة.

وطلحة، والزبير: اعتقدا أن القصاص الفوري واجب شرعي لمنع تفاقم الفتنة.

والنتيجة: تحول الخلاف إلى صراع مسلح بسبب سوء الفهم وتدخل أطراف أخرى (مثل المتورطين في قتل عثمان) أشعلت القتال.

طلحة قُتل خلال المعركة (ربما برمح طائش)، والزبير قُتل بعد انسحابه، بينما انتصر عليّ، هذا الواقع التاريخي يثير تساؤلاً: كيف يتفق هذا مع النصوص الدينية؟

الأحاديث عن العشرة المبشرين بالجنة

في صحيح مسلم (240) وغيره، أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أشخاصًا محددين، منهم علي، وطلحة، والزبير، في الجنة، هذه الأحاديث تُعتبر قطعية في الدلالة.

لكن كيف يتفق هذا مع الآية الكريمة، في قول الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء: 93)، الآية تتحدث عن عقوبة قتل المؤمن عمدًا، مما يبدو متناقضًا مع بشرى الصحابة بالجنة!

إن علماء الإسلام قدموا تفسيرات متعددة للتوفيق بين هذه النصوص والمعارك التاريخية، ويمكن تلخيصها كالتالي:

– الاجتهاد والخطأ دون كفر:

يرى جمهور العلماء، مثل ابن تيمية في «منهاج السنة»، وابن حجر في «فتح الباري»، أن الصحابة في معركة «الجمل» كانوا مجتهدين في تفسير الواجب الشرعي، عليّ اجتهد في تأخير القصاص، وطلحة، والزبير اجتهدا في المطالبة به فورًا، الاجتهاد قد يؤدي إلى خطأ، لكنه لا يُخرج صاحبه من الإيمان أو يلغي مكانته عند الله تعالى؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» (صحيح البخاري) يدعم هذا التفسير.

– عدم القصد المباشر للقتل:

لم يكن هدف الصحابة قتل بعضهم بعضًا، بل كانوا يسعون لتحقيق ما اعتبروه مصلحة الأمة، القتال اندلع بسبب سوء تنظيم أو تدخل أطراف خارجية (مثل الثوار الذين أشعلوا المعركة في «الجمل»)؛ لذا، لا يُعتبر قتلهم عمدًا بالمعنى الشرعي الذي تقصده الآية، بل كان قتالًا في سياق فتنة.

– الفتنة كحالة استثنائية:

يشير العلماء إلى أن الفتنة الكبرى كانت فترة استثنائية، حيث اختلط الحق بالباطل، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر منها في أحاديث، مثل: «ستكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي» (صحيح مسلم)، في هذا السياق، لا يُحاسب الصحابة بنفس معايير الأوقات العادية، لأن نواياهم كانت خالصة لله رغم الخطأ.

ويرى ابن كثير في «البداية والنهاية» أن الآية (النساء: 93) لا تنطبق على الصحابة؛ لأن قتالهم لم يكن بدافع عدوان شخصي، بل فتنة سياسية.

– مكانة الصحابة عند الله تعالى:

الأحاديث التي تبشر بالجنة تُعتبر دليلاً على مغفرة الله لهم بسبب فضلهم السابق في نصرة الإسلام، قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (التوبة: 100)، هذا الرضا الإلهي يشمل تجاوز أخطائهم في الفتنة.

– تأويل للآية الكريمة:

بعض المفسرين (مثل الطبري) يرون أن الآية (النساء: 93) تتحدث عن قتل المؤمن بدافع الكفر أو العدوان، وليس في سياق الاجتهاد أو الفتنة، الخلود في النار قد يكون مشروطًا بنية القتل العمدي الصريح، وهو ما لا ينطبق على الصحابة.

أما سؤال كيف يقتل المبشرون بالجنة بعضهم؟ نقول: هذه المعارك كانت نتيجة ظروف سياسية معقدة بعد توسع الدولة الإسلامية، وليست انعكاسًا لنوايا شريرة، الصحابة لم يكونوا معصومين من الخطأ، لكنهم كانوا بشرًا يجتهدون في ظل غياب توجيه نبوي مباشر.

والتوفيق مع البشرى بالجنة: المبشرون بالجنة حصلوا على هذه المكانة بسبب أعمالهم الصالحة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخطاؤهم اللاحقة لا تلغي هذا الفضل، والله سبحانه وتعالى يغفر لمن يشاء بناءً على عدله ورحمته.

وخلاصة القول: فإن الصحابة في معركة «الجمل» لم يقتلوا بعضهم بدافع شخصي أو كفر، بل في سياق فتنة سياسية نتجت عن اجتهادات متضاربة، والعلماء يرون أن الآية الكريمة (النساء: 93) لا تنطبق عليهم؛ لأن قتالهم لم يكن عمدًا بالمعنى الشرعي، ولأن مكانتهم عند الله محمية بفضلهم السابق وبشرى النبي صلى الله عليه وسلم.

د. محمود القاعود

 

عن الشبكة نت

اضف رد

arالعربية
جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025