الرئيسية 08 الشبكة الاخبارية 08 فلسطين المسلمة 08 الاحتلال بين توسيع العملية العسكرية في غزة وضغوط ‏صفقة التبادل

الاحتلال بين توسيع العملية العسكرية في غزة وضغوط ‏صفقة التبادل

تتأرجح السياسة الصهيونية بين خيارين متناقضين؛ توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة، أو الانخراط في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، هذا التناقض يعكس أزمة إستراتيجية عميقة تواجهها حكومة بنيامين نتنياهو في ظل تواصل الحرب على غزة للعام الثاني على التوالي دون تحقيق أهدافها المعلنة.

ومنذ اندلاعها في 7 أكتوبر 2023م، تعيش دولة الاحتلال مرحلة حرجة من التوازن بين أهدافها العسكرية والسياسية من جهة، وضغوط الرأي العام والضغوط الدولية المتعلقة بملف الأسرى من جهة أخرى.

والسؤال المحوري الذي يطرح نفسه اليوم: هل تتجه دولة الاحتلال إلى توسيع عملياتها العسكرية في غزة لتصفية حساباتها مع «حماس» وفصائل المقاومة واستعادة قوة الردع، أم أنها ستنحني لضغوط الداخل والخارج من أجل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى تعيد جنودها ومواطنيها؟

أولًا: السياق السياسي والعسكري:

لقد وضع المستوى السياسي والعسكري الصهيوني أهدافه المعلنة للحرب على غزة منذ اليوم الأول للعدوان، التي تمثلت في تدمير البنية العسكرية والتنظيمية لحركة «حماس»، وإعادة الأسرى الصهاينة، واستعادة قوة الردع، لضمان عدم عودة تهديد «حماس» لدولة الاحتلال.

لكن مع مرور الوقت، بدأت هذه الأهداف تتآكل في ظل فشل الجيش الصهيوني في القضاء على البنية التحتية للمقاومة داخل غزة، واستمرار عمليات إطلاق الصواريخ والتصدي للقوات الصهيونية؛ ما يضع القيادة السياسية أمام مأزق إستراتيجي.

ورغم إعلان دولة الاحتلال سيطرة قواتها على 30% من قطاع غزة بما فيها مدينة رفح ومناطق الشمال، فإنها لا تزال تلوّح بتوسيع المعركة للسيطرة على مناطق جديدة، وإعادة تهجير المواطنين والزج بهم في كانتونات ضيقة، هذا التلويح يهدف من جهة إلى الضغط على «حماس»، ومن جهة أخرى إلى كسب الوقت أمام المجتمع الصهيوني والدولي الضاغط.

جنرال صهيوني: بيان «حماس» بوقف عودة الأسرى يكشف توازن القوى الحقيقي | Mugtama

في مقال نشره في صحيفة

mugtama.com

×

ثانيًا: دوافع توسيع العملية العسكرية:

– الاعتبارات السياسية الداخلية: يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحديات سياسية تهدد بقاءه السياسي واستمرار حكومته، وتراجع شعبيته، وانقسامات داخل الحكومة، وإقالات طالت قيادات عسكرية بارزة في الحكومة والجيش، إضافة لوجود أحزاب يمينية متطرفة تضغط باتجاه رفض التفاوض وتوسيع الحملة العسكرية.

– العقيدة الأمنية الصهيونية: التي تقوم على مبدأ «الردع من خلال التفوق العسكري»، ولا تريد دولة الاحتلال أن تظهر بأنها خضعت لـ«حماس»، في الوقت الذي ترى فيه بعض القيادات الأمنية أن أي صفقة تبادل دون انتصار ميداني تمثل هزيمة إستراتيجية لدولتهم.

– الضغط العسكري كورقة تفاوض: هناك اعتقاد بأن توسيع العملية العسكرية وزيادة الضغط العسكري قد يدفع «حماس» إلى تقديم تنازلات في مفاوضات تبادل الأسرى، لكن تجارب سابقة (مثل عدم تمكن الجيش من الوصول للأسرى، ومقتل عدد منهم خلال العمليات العسكرية) أظهرت أن الضغط العسكري قد يأتي بنتائج عكسية.

لذلك، يتمسك نتنياهو بالخيار العسكري كوسيلة لاستعادة الأسرى الصهاينة، معتبراً أنه سيؤدي إلى تليين موقف «حماس»، ومع ذلك، قد تكون هذه الإستراتيجية غير فعّالة، مع وجود تحقيقات وتقارير لجيش الاحتلال تشير إلى أن عمليات الاجتياح والتوغل تؤدي إلى مقتل الجنود والأسرى؛ ما يتعارض مع تصريحات نتنياهو بأن الضغط العسكري هو الحل.

غزة في مواجهة الأطماع الاستيطانية الصهيونية | Mugtama

لم يتوقف الاحتلال الصهيوني يوماً عن السعي…

mugtama.com

×

ثالثًا: ضغوط الانحناء للتفاوض:

– الضغط الشعبي الداخلي: الذي يتمثل في مظاهرات عائلات الأسرى الصهاينة المستمرة والمتواصلة في تل أبيب ومدن أخرى، وتزايد الشعور بأن حكومة نتنياهو تضحّي بأبنائهم من أجل أهداف سياسية، لا أمنية.

– التكلفة العسكرية والإنسانية: حيث يعاني الجيش الصهيوني من الإنهاك المستمر نظراً لطول فترة المعركة، وهناك تقارير عن تراجع المعنويات داخل الوحدات الميدانية، والمجتمع الدولي يتحدث عن كارثة إنسانية وحدوث مجاعة لمنع دخول المساعدات الإنسانية والطعام الى غزة منذ ما يزيد على شهرين، وتزايد التهديدات الدولية بفرض عقوبات على دولة الاحتلال، وإدارة أمريكية جديدة تريد رؤية قريبة لنهاية الحرب بعد كل الفترة التي منحتها الإدارة السابقة والحالية لنتنياهو لتحقيق أهدافه السياسية وقبل زيارة الرئيس ترمب للمنطقة منصف الشهر الحالي.

– المقاومة وأوراقها القوية: حيث تمتلك المقاومة عدداً من الأسرى، ومن بينهم جنود، بالإضافة إلى قدرتها على إدارة التفاوض بإحكام، جعلها في موقع تفاوضي لا يمكن تجاوزه، بالإضافة الى تكثيف الحرب النفسية التي تمارسها «حماس» للضغط على الجانب الصهيوني وإجباره على القبول بشروط المقاومة؛ ما يزيد من تعقيد المفاوضات.

رابعًا: حسابات الربح والخسارة:

– توسيع العملية العسكرية: يرى نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة أن الضغط العسكري من خلال توسيع العملية العسكرية في غزة سيحقق له العديد من المكاسب السياسية والعسكرية، لأنه سيزيد من الضغط على «حماس» لتقديم تنازلات في ملف الأسرى، وتساهم في إرضاء مؤيديه داخل الحكومة والجبهة الداخلية، خاصة اليمين المتطرف الذي يرفض أي تنازل أو صفقة مع «حماس»، وتأجيل الاستحقاقات السياسية الداخلية كونه يستخدم الحرب لإطالة أمد بقائه في الحكم.

وفي الوقت نفسه، قد يكلفه ذلك مزيداً من الخسائر العسكرية التي تتمثل في مزيد من القتلى والجرحى، وتآكل صورة «الجيش الذي لا يُقهر»، واستنزاف اقتصادي تكلفة العمليات العسكرية اليومية الباهظة، ومزيداً من العزلة والضغوط الدولية المتصاعدة، وفشل تحقيق الأهداف في القضاء على «حماس» أو تحرير الأسرى عسكريًا.

– الموافقة على صفقة تبادل: يرى الذين يطالبون بصفقة الأسرى أنها قد تحقق العديد من المكاسب، وعلى رأسها استعادة الرهائن، وهو الهدف الذي يحظى بدعم شعبي واسع في دولة الاحتلال، وتهدئة مؤقتة قد تعطي الحكومة فرصة لإعادة التموضع سياسيًا وأمنيًا، مقابل توفير حماية للحكومة لمنع انهيارها وخروج آمن لنتنياهو، وتحسين العلاقات الدولية خاصة مع الدول التي تضغط لوقف الحرب.

في حين يرى معارضوهم أنها ستخلف الكثير من الخسائر والتنازلات الكبيرة، منها إطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين، بينهم أصحاب الأحكام العالية ممن تتهمهم دولة الاحتلال بأصحاب العمليات النوعية التي تسببت بقتل العديد من الصهاينة سواء الجنود أو المستوطنين، وظهور «حماس» بمظهر المنتصر؛ ما قد يعزز شعبيتها في الداخل الفلسطيني، وانقسام داخلي بين مؤيدي الصفقة ومعارضيها، خصوصًا من عائلات جنود سقطوا في الحرب.

فدولة الاحتلال والحكومة الصهيونية أصبحت بين خيارين كلاهما مُكلف؛ توسيع الحرب الذي قد يعمّق الفشل، ويزيد من كلفتها دون نتائج حاسمة، أو الانحناء للصفقة التي قد تُحقق هدفًا إنسانيًا أمنيًا يتمثل في عودة الأسرى لكنها تُعد اعترافًا ضمنيًا بفشل الخيار العسكري.

إن الوضع القائم يشبه معركة «عض الأصابع» بين القيادة السياسية الصهيونية التي تريد إنهاء الحرب بشروط تحقق نصرًا ولو رمزيًا، وضغوط لا يمكن تجاهلها من الداخل والخارج تطالب بتقديم صفقة التبادل على ما سواها.

وبين الخيارين، تظل دولة الاحتلال في مأزق إستراتيجي، فالتصعيد العسكري قد يؤدي إلى مزيد من الخسائر البشرية ويزيد من تعقيد الموقف، بينما التفاوض قد يُنظر إليه على أنه تنازل صهيوني، والواقع يشير إلى أن الخيار العسكري لم يحقق أهدافه، وأن التفاوض قد يكون السبيل الوحيد لاستعادة الأسرى دون مزيد من التصعيد.

Mohamed