د. محمود القاعود
معجزة انشقاق القمر من المعجزات العظيمة التي أيد الله عزَّ وجل بها رسوله صلى الله عليه وسلم التي وردت في القرآن الكريم وأكدتها السُّنة النبوية الصحيحة؛ حيث إنَّ القمر انشق نصفين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كدليل على صدق رسالته، ويُنكر بعض الملحدين في مواقع التواصل هذه المعجزة، مستندين إلى أنَّ وكالة «ناسا» لم تُثبت حدوث انشقاق للقمر، وأنَّ التضاريس والشقوق الموجودة على سطحه ناتجة عن اصطدام نيازك أو أجرام فضائية.
ونقول: وردت أحاديث صحيحة في كتب السُّنة تؤكد وقوع هذه المعجزة، ومنها:
– حديث عبدالله بن مسعود في صحيح البخاري: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: هَذَا سِحْرٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) (القمر: 1)» (صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب سورة «القمر»).
– حديث أنس بن مالك في صحيح البخاري: «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ حَتَّى رَأَوْا جَبَلَ حِرَاءٍ بَيْنَ فِرْقَتَيْهِ» (صحيح البخاري، كتاب «مناقب النبي»).
– حديث ابن عباس في صحيح مسلم: «انْشَقَّ الْقَمَرُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَرَأَوْهُ قَدِ انْشَقَّ» (صحيح مسلم، كتاب «صفة القيامة»).
– حديث عبدالله بن مسعود: «بيْنَما نَحْنُ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بمِنًى إذَا انْفَلَقَ القَمَرُ فِلْقَتَيْنِ، فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ، فَقالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اشْهَدُوا» (رواه البخاري، ومسلم).
هذه الأحاديث تؤكد أنَّ انشقاق القمر كان حدثًا محسوسًا شهده الصحابة وأهل مكة، وأنه كان معجزة مؤقتة أراد الله بها إقامة الحجة على المُعاندين.
القول بأنَّ «ناسا» لم تُثبت انشقاق القمر لا ينفي وقوع المعجزة، لأنها حدث خارق للطبيعة وليست ظاهرة جيولوجية دائمة يمكن رصدها بعد 1400 سنة، الأحاديث النبوية تشير إلى أنَّ القمر انشق ثم عاد إلى حالته الطبيعية بأمر الله، كما في الحديث الشريف: «فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ»، هذا يعني أننا لا نتوقع وجود أثر مادي دائم يمكن لـ«ناسا» تصويره اليوم، المعجزة كانت دليلاً حسيًا لمن شاهدوها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث ابن مسعود: «فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ».
وعلميًا سطح القمر مُغطى بالفوهات والشقوق الناتجة عن الاصطدامات الكونية على مدى ملايين السنين كما أثبتت بعثات أبولو وصور الأقمار الصناعية، لكن أحدث الدراسات (مثل تلك التي أجرتها «ناسا» عبر مسبار «GRAIL» عام 2011-2012م) تظهر أن القمر يحتوي على شقوق عميقة ومناطق متصدعة نتيجة تقلص حجمه بسبب فقدان الحرارة الداخلية، هذه الشقوق مثل «الشقوق القمرية» (Lunar Rilles)، تثبت أن القمر يمتلك بنية يمكن أن تتحمل التشققات والانفصال دون انهيار كلي؛ ما يجعل فكرة انشقاق مؤقت ممكنة من الناحية الفيزيائية إذا تدخلت قوة خارقة.
صحيح أن معظم الفوهات على سطح القمر ناتجة عن اصطدام النيازك، لكن هذا لا ينفي إمكانية حدوث انشقاق بفعل إلهي، العلم يصف الظواهر الطبيعية بناءً على القوانين المعروفة، لكنه لا يستطيع نفي التدخل الإلهي الخارج عن هذه القوانين، حديث أنس: «حَتَّى رَأَوْا جَبَلَ حِرَاءٍ بَيْنَ فِرْقَتَيْهِ» يشير إلى أن الانشقاق كان واضحًا للعيان ولم يكن مجرد شق طبيعي، لو افترضنا أن القمر انشق ثم أعيد تركيبه بقدرة الله، فإن أي أثر قد يختفي أو يتشابه مع الشقوق الطبيعية مما يجعل تمييزه مستحيلًا بالأدوات العلمية الحالية.
التصوير عالي الدقة بواسطة مسبار «LRO»(Lunar Reconnaissance Orbiter) كشف تفاصيل دقيقة لسطح القمر لكنها لا تستطيع تحديد تاريخ كل شق أو سببه بدقة مطلقة، وبالتالي القول: إنَّ كل شق ناتج عن نيازك هو افتراض وليس حقيقة قاطعة تنفي المعجزة.
ولننظر في تفسير الآية الكريمة: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ {1} وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) (القمر).
– تفسير ابن كثير: يرى أنَّ انشقاق القمر كان معجزة حدثت فعلاً في مكة حيث طلب المشركون آية فانشق القمر نصفين ورأوها بعيونهم، لكنهم أنكروها وقالوا: إنها سحر كما في حديث ابن عباس: «سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ».
– تفسير الطبري: يؤكد أنَّ هذا الحدث كان دليلاً حسيًا للمعاصرين وأنَّ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) تشير إلى أن ظهور النبوة مِن علامات الساعة.
– تفسير القرطبي: يشير إلى أنَّ إعراض الكفار عن الآية يعكس عنادهم، وليس نفيًا لوقوعها مما يتماشى مع قولهم في الآية: (سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ).
إنَّ إنكار معجزة انشقاق القمر بناءً على عدم وجود دليل مادي من «ناسا» يتجاهل طبيعتها كحدث خارق مؤقت، كما ورد في الأحاديث الصحيحة مثل: «فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ»، والعلم يثبت أنَّ القمر يحتوي على شقوق وتصدعات؛ ما يجعل فكرة الانشقاق ممكنة إذا تدخلت قوة إلهية، والآية الكريمة وتفاسيرها مدعومة بالأحاديث، تؤكد أنها كانت آية لمن عاصروها، وإعراض الكفار عنها لا ينفي وقوعها، فالعلم لا يملك أدوات لنفي الخوارق، بل يصف الطبيعة فقط؛ ما يجعل الإيمان بالمعجزة مسألة إيمانية لا تعارض العقل أو العلم.