رغم مرور 600 يوم على حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، لا تزال الأهداف التي أعلنتها حكومة الاحتلال بعيدة المنال، وتتصاعد مؤشرات الفشل والارتباك داخل المؤسسة السياسية والعسكرية «الإسرائيلية»، في ظل مأزق إستراتيجي يتعمق يومًا بعد يوم.
ويرى محللون أن ما بدأ كعملية عسكرية لـ«إسقاط حماس» و«استعادة الرهائن» و«إعادة الأمن»، انتهى إلى مأزق إستراتيجي عميق، كشف خللًا في القيادة واهتزازًا في ثقة الجمهور بمؤسساته الأمنية والعسكرية.
ففي مقالات متعددة نُشرت في أبرز الصحف العبرية، من «يديعوت أحرونوت»، و«معاريف»، إلى «إسرائيل اليوم»، شنّ عدد من الكتَّاب والمحللين الصهاينة هجومًا لاذعًا على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
مسؤولون صهاينة: حكومة نتنياهو تتفكك.. وترمب لم يعد حليفاً موثوقاً | Mugtama
600 يوم من فشل القيادة
في مقال بعنوان «600 يوم من فشل القيادة»، نشر في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، كتب المحلل إليشا بن كيمون: لا تزال «حماس» تفرض سيطرتها على قطاع غزة، و58 رهينة «إسرائيليًا» لا يزالون في الأنفاق، والأمن بعيد المدى لا يبدو في الأفق، لم يتحقق أي من الأهداف الثلاثة التي تم الإعلان عنها مع بداية القتال.
ويصف بن كيمون، نتنياهو بأنه رئيس وزراء يقف مترددًا عند مفترق طرق منذ اندلاع الحرب، عاجزًا عن الحسم، متمسكًا بإبقاء جميع الخيارات مفتوحة؛ ما يؤدي إلى استمرار نزيف الحرب دون نهاية.
ويضيف: نتنياهو لا يحسم، ولا يقطع، والنتيجة حرب دامية مستمرة، فيما يحاول كل طرف من حوله جذبه إلى اتجاهه، من ترمب، وويتكوف في الغرب، إلى بن غفير، وسموتريتش في الشرق.
ويشير إلى أن نتنياهو يتجنب اتخاذ القرارات في اللحظات الحاسمة، فرص وقف إطلاق النار أُغلقت، أحيانًا تحت ضغط سياسي، وأحيانًا برفض من الجيش أو جهاز «الشاباك»، وحتى حين ظهرت نوايا للاستيطان في غزة، أحبطتها تصريحات سياسية مثل «لن أستوطن في غزة».
ويصف هذا الوضع بأنه تعقيد إستراتيجي، قائلاً: لا نحن هنا ولا هناك، رئيس الأركان لا ينفذ الأوامر، رئيس «الشاباك» يفتقر إلى الثقة، والمستشار القانوني يتدخل في العمل، وفي المحصلة 600 يوم من الحرب لم تحقق أي نتائج ذات قيمة.
ويختتم بن كيمون مقاله بالقول: غزة لم تعد مجرد ساحة معركة، بل تحولت إلى اختبار صريح لفشل القيادة «الإسرائيلية» وآلية اتخاذ القرار، حتى اللحظة، أخفقت القيادة في هذا الامتحان.
أسئلة بلا أجوبة
أما الكاتب مائير أوزييل، فطرح في صحيفة «معاريف» مقالًا بعنوان 600 يوم، الكثير من الأسئلة، وقال: بعد 600 يوم من القتال، لا أزال أطرح الأسئلة ذاتها: كيف وصلنا إلى هنا؟ لماذا لم تنتهِ الحرب؟ كيف ينبغي أن تنتهي؟ ما موقعنا أمام العالم؟ لماذا تعتقد «حماس» أنها قادرة على الصمود؟ ولماذا فشلنا في توحيد صفوفنا؟
ويؤكد أوزييل أن الحرب غيّرت معالم الواقع «الإسرائيلي»، وألحقت ضربة قاسية بثقة الجمهور بمؤسسات الأمن والجيش والاستخبارات، قائلاً: لقد تهشّمت صورتنا عن أنفسنا؛ ثقتنا بجيش الدفاع، وبـ«الشاباك»، وبأجهزتنا الأمنية لم تعد كما كانت.
علامات الإنهاك
في مقال نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم»، رصدت المحللة الصهيونية كارني إلداد مؤشرات التعب والاستنزاف المتصاعدة داخل المجتمع «الإسرائيلي» بعد مرور 600 يوم على الحرب في غزة، وكتبت: علامات الإنهاك تظهر بوضوح على جنودنا، وعلى عائلات المختطفين، وعلى المدنيين في الجبهة الداخلية، حتى قادة الدول بدؤوا يتعبون.
وأشارت إلداد إلى الإحساس العام بطول أمد الحرب وعدم وجود نهاية قريبة لها، قائلة: تبدو هذه الحرب طويلة جدًا، طويلة جدًا، طويلة جدًا، ولأنني لست جنرالًا، ولا حتى قريبة من ذلك، قررت أن أتحقق مما أنجزه الجنرالات عبر التاريخ خلال 600 يوم، للحصول على بعض النسب.
وقدّمت إلداد مقارنات لافتة مع شخصيات تاريخية مثل نابليون، ويوليوس قيصر، مبيّنة حجم الإنجازات العسكرية التي حققوها خلال نفس المدة الزمنية: بين أكتوبر 1805 ويونيو 1807م، غزا نابليون النمسا وبروسيا وبولندا وأجزاء من ألمانيا، وغيَّر خريطة أوروبا، وأقام حكمًا مباشرًا أو غير مباشر على معظم القارة، أما يوليوس قيصر، فخلال عام ونصف عام فقط، أخضع مناطق شاسعة من بلاد الغال، ودفع القبائل الألمانية خلف نهر الراين، ورسّخ السيطرة الرومانية على ساحل الأطلسي.
ثم علّقت قائلة بسخرية مُبطنة: صحيح أن الجيش «الإسرائيلي» لا يملك نفس أدوات القوة، ولا أن جنرالاته كزامير، أو هاليفي، يمكن مقارنتهم بنابليون، أو قيصر، لكن مع ذلك، الأهداف المعلنة للحرب معروفة ومكررة: هزيمة «حماس»، واستعادة المختطفين، وتحقيق الأمن، فلماذا لم نحقق شيئًا منها حتى الآن؟!
تطرح إلداد تساؤلات عميقة تمس العقل القيادي داخل الكيان: هل نسينا فعلاً فكرة الأبدية التي نرددها دائمًا؟ هل باتت قيادتنا، المعتادة على الجولات القصيرة والحروب المحدودة، عاجزة عقليًا عن استيعاب مفهوم النصر الكامل؟ فكل شيء آخر يبدو جاهزًا: الشعب، الجيش، الإرادة، فقط القيادة هي التي تعاني.
وتشير الكاتبة إلى التناقض الواضح في تقييم الموقف داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، فرئيس الأركان يصرّ على أن الحرب شارفت على نهايتها، وأن هزيمة العدو باتت قريبة، بينما يرى اللواء زيني، المقرّب من رئيس الوزراء والمكلّف برئاسة جهاز «الشاباك»، أنها حرب أبدية.
وتنهي إلداد مقالها بتوصيف موسّع لطبيعة الصراع، قائلة: نعم، الجنرال زيني على حق من زاوية أوسع؛ هذه الحرب مستمرة منذ أكثر من مائة عام، ليست ضد «إسرائيل»، ولا بسبب الاحتلال أو الحصار، بل ضد وجود اليهود في الفضاء الإسلامي، ومع ذلك، هذا الفصل يجب أن ينتهي، وينتهي جيدًا.
____________________
1- «يديعوت أحرونوت»: https://www.ynet.co.il/news/article/yokra14386505
2- «معاريف»: https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/article-1200430
3- «إسرائيل اليوم»: https://www.israelhayom.co.il/news/local/article/18061226
سيف باكير