كشفت «طوفان الأقصى» المساحة الفضفاضة التي كان يتحرك ويناور فيها جميع الساسة، والدول التي كانت تمسك بالعصا من المنتصف، حول نصرة القضية الفلسطينية التي كان يتغنى بها كثيرون.
كانت التصريحات والسياسات عقب المعركة كاشفة لا تحتاج إلى تأويل أو تمييع؛ التي أثبتت أن مصلحة الاحتلال «الإسرائيلي» لها الصدارة، وليس أمريكا أولاً، كما تدعي الإدارة الأمريكية وتحاول إيهام شعبها.
وبالرغم من تصريحات لوسائل إعلام تابعة للكيان الصهيوني، تؤكد أن الحرب تخدم بالأساس مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية، فإن الولايات المتحدة لا تزال تسير وفق أجندة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو غير مكترثة بمصالحها أو اعتبارات أمنها في المنطقة.
الأسرى الأمريكيون ملف فاضح
بالرغم من وجود رهائن أمريكيين لدى المقاومة الفلسطينية، فإن الفتور كان العنوان الأمريكي الأبرز في التعامل مع هذا الملف، حتى صار فاضحاً في تكذيب شعار «أمريكا أولاً» الذي يرفعه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وليس أدلّ على ذلك من أن تعامل الإدارة الأمريكية مع ملف أسراها كان يسير وفق الأجندة «الإسرائيلية»، وليس بالضغط الأمريكي المعتاد على الدول الحليفة والصديقة في مثل هذه القضايا الحساسة، ليتأكد أن السياسة الأمريكية منذ «طوفان الأقصى»، تسير وفق ما تريده الصهيونية وليس أمريكا أولاً.
ذكرت شبكة «سي إن إن» أن عدد الأسرى الأمريكيين في غزة بلغ 7 أسرى قبل عملية التبادل التي تم إقرارها العام الجاري.
ويبلغ عدد الأسرى الأمريكيين الذين لا يزالون لدى حركة «حماس» 5 أسرى، وذلك بعد انهيار الصفقة وعودة العمليات العسكرية، مرة أخرى حسب اللجنة اليهودية الأمريكية.
ومع ذلك لا نرى تدخلاً أمريكياً خشناً أو قوياً تجاه أسراها هذه المرة، فالأسرى الأمريكيون كغيرهم، يعانون كباقي الأسرى من قلة الطعام والدواء، وربما يتم قصفهم كما تم قصف غيرهم من الأسرى.
ميناء غزة البحري.. والتخبط الأمريكي
جاءت فكرة الرصيف البحري في غزة، كفكرة باهتة ومريبة من السياسة الأمريكية، لتطويل أمد الحرب وحصار شعب غزة لا مساعدته، ولتكشف أيضاً أن السياسة الأمريكية تسير في ركب السياسة «الإسرائيلية» ولا تراعي مصلحة أمريكا أولاً.
الولايات المتحدة وبالرغم ادّعائها أنها تريد إيصال المساعدات إلى غزة، وبالرغم من مقتل جندي أمريكي، متأثرًا بجروح خطيرة خلال مهمة في رصيف غزة البحري، فقد أعلن الجيش الأمريكي أن مهمته لتركيب ميناء غزة العائم وتشغيله قد انتهت، وأنه لا داعي بعد الآن لاستخدامه، وذلك بعد تفكيكه وإعادة تركيبه قرابة 3 مرات، ليتبين لاحقاً أن الخطة كانت مشاركة في عملية حصار وتطويل أمد الحرب على غزة، لأجل البحث عن ثغرة لاسترداد الأسرى.
ماسك.. وتغيير المسار
مع بداية «طوفان الأقصى»، انحاز إيلون ماسك، مالك منصة إكس (تويتر سابقاً)، لدعم القضية الفلسطينية، ودعم كل مظاهر مقاومة الفلسطينيين، حيث أظهرت تدويناته على حسابه في منصته دعمه للمظاهرات التي كانت تخرج في العواصم الغربية لدعم الفلسطينيين، ومنها ما نشره من مظاهرات شعبية خرجت في شوارع مدينة برلين الألمانية لدعم الشعب الفلسطيني ضد العدوان الغاشم من جيش الاحتلال؛ الذي أسفر عن استشهاد آلاف الفلسطينيين الأبرياء من الأطفال والنساء والمدنيين.
وكانت منصة «إكس» مساحة حرة لنشر كل فظائع الاحتلال التي اقترفها بحق شعب غزة، حيث كان يتم نشر صور ومقاطع فيديو فاضحة ومرعبة عن جرائم «إسرائيل» خاصة في حق المدنيين، وهو ما لم تتحلَّ به شركة «ميتا»؛ التي كانت تحجب كل ما فيه إدانة لدولة الاحتلال على جميع منصاتها.
ولكن هذه المساحة من الحرية تسببت في ضغوط على ماسك الذي قرر زيارة دولة الاحتلال في نوفمبر2023م، معلناً دعمه لها بدعوى القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية، قائلاً حينها، بحسب ما ذكرته «رويترز»: إن أحد التحديات يتمثل في وقف الدعاية من النوع الذي أدى إلى موجة القتل، التي قامت بها الحركات الفلسطينية، التي أدت إلى اندلاع الحرب في غزة.
كما بدأ ماسك في الانحياز للسياسة الأمريكية التي بدورها باتت أكثر تبعية لدولة الاحتلال مع بدء ترشح ترمب للرئاسة الأمريكية، حيث أظهرت وثائق تم نشرها أن ماسك أنفق أكثر من ربع مليار دولار لمساعدة ترمب في الفوز بالانتخابات الرئاسية.
تداعيات قرارات ترمب الاقتصادية على الدول العربية والإسلامية | مجلة المجتمع الكويتية
مقتل أمريكي من أصل فلسطيني
وفي سياق شعار «أمريكا أولاً» الذي فرغته من مضمونه الحكومة الأمريكية الحالية وما سبقها من حكومات، فقد نقلت وكالة «رويترز»، قبل أيام، عن وزارة الخارجية الأمريكية، قولها: إنها على علم بمقتل فتى أمريكي من أصل فلسطيني على يد القوات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية المحتلة، وإنها تسعى للحصول على مزيد من المعلومات عن الواقعة.
والعام الماضي، لم تتحرك الولايات المتحدة عند مقتل الناشطة الأمريكية أيسينور إزجي إيجي، التي تبلغ من العمر 28 عاماً، بالرصاص في سبتمبر 2024م، وذلك خلال احتجاج ضد الاستيطان بالقرب من نابلس بالضفة الغربية التي تحتلها «إسرائيل»، ومع هذا لم يُلقِ البيت الأبيض باللوم على «إسرائيل»، لكنه دعاها إلى التحقيق في الأمر.
وبسبب آلة الكراهية، فقد أقدم مالك عقار يدعى جوزيف زوبا، في أكتوبر 2023م، في بلدة بلينفيلد، على قتل الطفل الأمريكي وديع الفيومي من أصل فلسطيني بولاية إلينوي، بسبب تزايد الكراهية وما يحدث في غزة، حيث قام بطعنه 26 طعنة لمجرد أنه مسلم فقط، وهي جريمة كبرى لم يشهدها المسلمون من قبل.
مقتل 9 نشطاء أتراك بينهم أمريكي
الذاكرة تستعيد أحداثاً تؤكد أن شعار «أمريكا أولاً» تتبخر فحواه السياسية والدبلوماسية، عندما يتعلق بإدانة دولة الاحتلال، وهو ما حدث في واقعة «أسطول الحرية»، في 31 مايو 2010م، التي شهدت مقتل 9 من النشطاء الأتراك -كان أحدهم يحمل الجنسية الأمريكية- وذلك عندما باغتت وحدات كوماندوز تابعة للبحرية «الإسرائيلية» سفينة مافي مرمرة، التي كانت ضمن «أسطول الحرية» المتوجه إلى غزة لكسر الحصار «الإسرائيلي» على غزة.
وفي عام 2003م، كان مقتل الناشطة الأمريكية راشيل كوري عبر دهسها بجرافة «إسرائيلية» هو الحدث الأكبر تداولاً، التي تواجدت أثناء هدم منزل فلسطيني بقطاع غزة، في مارس من ذات العام، ويذكر أن كوري كانت حينها بين 8 نشطاء آخرين من حركة التضامن الدولية، الذين جعلوا من أنفسهم دروعاً بشرية لحماية مخيم رفح للاجئين.
وقد تعلل جيش الاحتلال حينها بأن الأعمال غير المسؤولة وغير القانونية التي تقوم بها حركة التضامن العالمية ساهمت في الحادث المأساوي الذي أدى إلى مقتل كوري، ليتأكد بأدلة دامغة أن شعار «الصهيونية أولاً» هو المسيطر على دوائر السياسة الأمريكية.
إسلام عبدالعزيز