ستبقى الوضعية القريبة من القطيعة بين الجزائر وفرنسا على حالها إلى غاية 2027 موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث لم يعد أحد الآن بما فيهم الفرنسيين أنفسهم، يرى في سلطة ماكرون أي ضرورة للاستمرار في منصبه، ليس فقط لزيادة تدني شعبيته، ولكن حتى وزراء في حكومته الحالية استبقوه بالحديث عن “نهاية حكم الماكرونية”.
لم يقتصر مطلب التعجيل برحيل ماكرون والماكرونية معه، على تيار اليسار واليمين المتطرف، ولكن شمل وزراء في الحكومة، على غرار المتحدثة باسم الحكومة صوفي بريماس وزميلها برونو روتايو، دون أن يتعرضا لأي عتاب من ماكرون الذي عيّنهما في الحكومة عن حزب (الجمهوريين) الذي لا يملك أي شرعية شعبية حسب نتائجه الانتخابية، فقط مجرد رقم أوجدته حسابات تشكيلة الحكومة، وفي ذلك مؤشر عن حالة الوهن الذي وصلت إليه “الماكرونية” التي تتشبّث باستمرار حكومة بايرو وعدم سقوطها في الدخول الاجتماعي المقبل بمناسبة الميزانية، لأن سقوطها يعني امتداد تهاوي أحجار الدومينو إلى قصر الإليزي. فبين الرئيس والحكومة، السؤال من يسند الآخر؟ لكن هل بوسع حزب الجمهوريين الذي وجد نفسه في وضعية “رمانة الميزان” داخل الجهاز التنفيذي، منع وصول السهام المطالبة برحيل ماكرون وتنظيم رئاسيات مسبقة؟ لا أحد بمقدوره التنبؤ بالأمر بما فيها ماكرون، وفي ذلك دليل على أن قصر الإليزيه فقد توازناته وأدخل فرنسا في عهد من الضبابية السياسية غير مسبوقة وفي حالة من التخبط بسبب حكومة تفتقد لشرعية شعبية ولا تملك أغلبية نيابية ومهددة بحجب الثقة وبوضعية مديونية تعاكس التزاماتها الأوروبية، وبحراك اجتماعي ونقابي ينذر بدخول سياسي ساخن، وأيضا بسباق محموم للخلافة بين وجوه سياسية وحزبية دشّنت سباق الرئاسيات مبكرا يجمعهما نفس الحزب وتفرّقهما الحسابات والمصالح والضرب تحت الحزام بين مكوناتها.
ولذلك في ظل افتقاد الإليزيه لتوازناته التقليدية، لا غرابة أن يسطو وزير الداخلية على صلاحية ومهام وزير الخارجية، ويقفز وزير العدل على اختصاص الداخلية، ويعاكس الوزير روتايو برنامج الحكومة ولا تجد وزيرة البيئة لمن تشتكي غياب التضامن الحكومي، لأن الوزير الأول يفتقد للشرعية التي تجعله يتحكم في خرجات وزرائه إلى درجة أن أصوات بدأت تتساءل “هل يوجد قائد للطائرة في قصر الإليزيه”. يحدث هذا رغم أن وزير الداخلية الأسبق جون بيار شوفانمان له مقولة شهيرة “الوزير إما أن يستقيل أو يصمت”، لكن لا شىء من ذلك حدث، لا فعلها روتايو ولا غيره رغم تهديدهم مرارا بذلك، لأن الحكومة الفرنسية أضحت ظهرا يركب وضرعا يحلب، لها مهمة واحدة استعمالها للظهور في المشهد الإعلامي والبقاء في الواجهة الأمامية وكسب أصوات تحضيرا للحملة الانتخابية للرئاسيات المقبلة.
لقد فتح المزاد السياسي الفرنسي على مصراعيه بين الوزراء والأحزاب حول من يتهم ويشتم خصومه أكثر، وحول من يكتب “تغريدات” أكبر للتحريض على الكراهية والعنصرية، وعن من يهدد ويتوعّد أفضل من غيره، وعن من ينجح في توجيه الأنظار وإبعادها عن الملفات والقضايا الأساسية التي تهم الراهن الفرنسي نحو المسائل الهامشية. هذا هو “البازار” السياسي المفتوح حاليا والذي سيستمر إلى غاية 2027 موعد الرئاسيات، وعندها فقط يمكن الوقوف على حجم الأضرار السياسية والدبلوماسية والمصالح الضائعة والانكسارات التي يصعب جبرها، خصوصا في العلاقة مع الجزائر بسبب هذا “المزاد” الانتخابي الذي أدخل فرنسا في وضعية اللاحكم ورهن مصالحها بأوهام ماضي استعماري ولّى للأبد.
ح. سليمان
الخبر