جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025
الرئيسية 8 غير مصنف 8 العدو الأخطر ما زال خلف الستار.. الخوارزميات تقاتل غزة!

العدو الأخطر ما زال خلف الستار.. الخوارزميات تقاتل غزة!

في كل حرب يوجد أعداء يعرفون بالاسم والهوية، معربين عن أنفسهم افتخارًا بأسلحتهم، وعدتهم، وقوتهم، يضعون معظم أوراقهم وجنودهم على الطاولة، محتفظين ببعضها في جيوبهم، مختبئين وراء الأقنعة، ليرموا قذائفهم من خلف الستار، مثلهم كمثل المنافقين؛ ليسوا أعداء ظاهرين فنحاربهم، ولا حلفاء فنتقوى بهم، ولا مسالمين فنأمن مكرهم.

وفي غزة لا يقتصر القتال على البر والبحر والجو، ولا على الرصاص والقذائف، والطيارات والصواريخ، والحصار الجغرافي، بل امتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير ليشمل الحصار الرقمي، حيث تقف الخوارزميات بصمت قاتل في وجه الحق، تخفي شهادته، وتكتم صيحاته، وتصفق للباطل وتضفي على ألاعيبه الشرعية وتلبسه ثوب المظلمة والمسكنة، تحذف كل ما يكشف طغيانه وجبروته، فهي تصنع خطابًا منحازًا لا يعرف الإنصاف، ولا يعترف بالعدالة.

التحيز الخوارزمي آلة تقف في وجه الحقيقة

تعد الخوارزميات بمثابة العقل المدبر للمنصات الرقمية مثل «فيسبوك» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك»، فهي المتحكم في المحتوى المنشور عبر هذه المنصات، ومن المفترض أن تكون محايدة دون تحيز لأحد، تنقل ما يريده المستخدم، وتظهر له ما يهتم به، ويناسب رغباته، لأنها قبل كل شيء مجرد آلة.

إلا أن الواقع يظهر خلاف ذلك، لا سيما في القضايا المعادية للأنظمة الكبرى المتحكمة في هذه المنصات، والقضية الفلسطينية خير شاهد على هذا التحيز، حيث تمارس هذه الأنظمة العديد من أشكال القمع، معتمدة في ذلك على التحيز الخوارزمي، فما يظهر على الشاشات الرقمية أقل بكثير مما يحدث على أرض الواقع، وما تنقله هذه المنصات مغاير تمامًا لما يحدث في أرض المعركة، ناهيك عن قلة ظهور المحتوى المؤيد لهذه القضية وحذفه، ونشر المحتوى الداعم للراية الصهيونية في كل بقاع الأرض!

كيفية التحيز الخوارزمي ضد غزة

انتقلت المنصات الرقمية العالمية لأسلوب الرقابة الشرطية الأمنية بواسطة الذكاء الاصطناعي عبر الخوارزميات، ومع الاستخدام المتكرر لهذه المنصات اكتشف المستخدمون أنها تطبق الحظر على أي محتوى أو منشور يحمل لفظ أو صورة أو فيديو عن المقاومة بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام، وهذا ما يعرف بالتحيز الخوارزمي، بل يتم الحظر لكل محتوى يحمل كلمة: احتلال صهيوني، كفاح، حماس، جهاد، استشهاد، قتلى فلسطينيون.. إلخ.

والعجيب في ذلك أن هذا يحدث بمنهجية واضحة الدلالة أن هذه المنصات تحظر النشر، وتفرض التعتيم، على كل ما هو منشور ضد الاحتلال الصهيوني، مبررة ذلك بذرائع منع العنف، وخرق قواعد مجتمع المنصة، وحظر الصور الفظيعة، ومنع خطاب الكراهية، ومكافحة الدعاية للإرهاب والعديد من الحجج الواهية، فمن ينشر أو يشارك شيئاً عن هذه القضية يتم حظر حسابه أو بعض أنشطة الحساب، كالمنع من التعليقات وما إلى ذلك، ويبدأ الحظر من يوم إلى 90 يوماً، وقد يتم الحظر بشكل نهائي لأنك من وجهة نظرهم مجرم ومؤيد للعنف والمقاومة والإرهاب!

يمكنك الاطلاع على: غزة.. وكأس الخليج! 

غزة هي الدافع وراء الخوارزميات

إذا ما تعقبنا نشاط محاكمات «فيسبوك» تاريخيًا في حرب غزة وما قبلها، لوجدنا أن حرب غزة هي الدافع لإطلاق الخوارزميات كسلاح يقف ضد أي نشاط يفضح جرائم الاحتلال الصهيوني، أو يدين أفعاله، فالخوارزميات تم إطلاقها أصلًا لمنع المقاومة الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتضييق الخناق على الحسابات كمنع أخبار حي الشيخ جراح بالقدس، وحذف محتوى حساب محمد الكرد، والتضييق على وسم «طوفان الأقصى«، و«غزة تحت القصف»، و«غزة تموت جوعًا»، وتعليق حساب مريم البرغوثي، ومن فترة ليست بطويلة حظر «فيسبوك» وحده 130 ألف حساب شاركوا في وسم «# أنقذوا الشيخ جراح»؛ بحجة مخالفة معايير مجتمعه.

من ناحية أخرى، أكدت الناشطة الحقوقية الأمريكية جيليان يورك أن المحتوى العربي المنشور على منصات التواصل الاجتماعي يخضع للرقابة أكثر بمراحل من المحتوى الذي يتم نشره باللغة العبرية، وقامت «إسرائيل» في نهاية عام 2016م بمحاصرة شركات الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بقانون جديد يضع عقوبات مالية خيالية على الشركات التي لا تتعامل بوجه السرعة مع الطلبات المقدمة من الحكومة «الإسرائيلية» لحذف أي محتوى يتعلق بالقضية الفلسطينية الذي يعتبرونه معاديًا لسياساتها ومشجعًا على الكراهية.

يمكنك الاطلاع على: هل تُرِكت غزة تغرق وحدها؟

 تقرير «هيومن رايتس ووتش»

وفي تقرير صادر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أكدت من خلاله أن سياسات شركة ميتا تسكت بشكل متزايد وملحوظ الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية على منصتي «إنستغرام»، و«فيسبوك»، وذلك في ظل حرب الإبادة «الإسرائيلية» على غزة، حيث إن هناك نمطاً من القمع والإزالة غير المبررة للمحتوى المؤيد لهذه القضية، حتى وإن كان التعبير سلمياً، والنقاش عام حول الحقوق الإنسانية للفلسطينيين، كما أزالت عشرات المنشورات التي توثق الإصابات والوفيات الفلسطينية التي لها قيمة إخبارية.

وأكد التقرير أن رقابة ميتا على المحتوى الداعم لفلسطين تزيد الأمور سوءًا في ظل الفظائع وأشكال القمع المروعة التي تخنق تعبير الفلسطينيين، وراجعت المنظمة 1050 حالة رقابة على الإنترنت في أكثر من 60 دولة، ووجدت أن المحتوى الخاص بهذه الحالات يتوافق مع ما توصلت إليه تقارير منظمات حقوقية فلسطينية وإقليمية ودولية تفصّل رقابة ميتا على المحتوى الداعم للفلسطينيين.

وأن هناك 6 أنماط رئيسة للرقابة، تمثلت في: تعليق الحسابات أو إزالتها بشكل نهائي، إزالة المحتوى، تعذّر التفاعل مع المحتوى، القيود على استخدام ميزات مثل البث المباشر في «فيسبوك»/«إنستغرام»، تعذّر متابعة الحسابات أو الإشارة إليها بتنبيه (tag)، تقليص ظهور منشورات الشخص دون إشعار (shadow banning).

يمكنك الاطلاع على: شمِّروا سواعدكم.. فإن لغزة حقاً عليكم

 

نتيجة التحيز الخوارزمي ضد غزة

إذا ما نظرنا إلى النتائج المترتبة على التحيز الخوارزمي ضد غزة، لوجدنا أنها أخطر بكثير من القذائف والرصاص، وذلك لأنها تعمل على:

1- تشويه الصورة الحقيقية للواقع وتمنع وصول معاناة غزة وإبادتهم إلى العالم، بدت الأحداث في كثير من دول العالم وكأنها نزاع متكافئ، بينما يوجد عدوان وقتل وتدمير للمدن وللمدنيين.

2- تزييف الوعي العام العالمي الناتج عن تضليل المتابعين الدوليين، حيث لا يتم عرض المحتوى المؤلم عن غزة، في الوقت الذي يضخم فيه محتوى الطرف الآخر، وهذا في حد ذاته يضعف التضامن العالمي مع هذه القضية.

3- إسكات الضحية وتبرئة الظالم، فحين تحظر وسوم مثل «#غزة_تحت_القصف»، أو منشورات توثق المجازر المرتكبة، فإن ذلك يسهم في تبرئة المعتدي من جرائمه من خلال تغييب أدلتها عن الساحة الرقمية، ومن ثم تتحول المنصات إلى سلاح في يد القوي، بدلًا من إنصاف الضعيف.

4- تثبيط الضغط الدولي وحملات التضامن الناتج عن تقييد أو منع المحتوى المناصر للقضية الفلسطينية، ومن ثم إضعاف ضغط الرأي العام العالمي على الحكومات لاتخاذ مواقف عادلة؛ ما يؤدي إلى إطالة أمد الحرب والجرائم والإبادة الجماعية.

5- خلق بيئة رقمية غير آمنة سواء للفلسطينيين أو الداعمين لهم، فشعور النشطاء أن أصواتهم مستهدفة على منصات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى وجود شيء من الرقابة الذاتية، والخوف من التعبير بحرية، وهذا في حد ذاته يخلق مناخًا خانقٌا في الفضاء الرقمي.

6- ضعف الأرشيف الرقمي للذاكرة الفلسطينية نتيجة حذف وتقييد المحتوى، ويؤثر ذلك بشكل كبير على السردية التاريخية للأجيال القادمة، ويجعل العديد من الحلقات مفقودة في أذهانهم، فلا إنصاف واقعي، ولا نقل كامل للحقيقية.

من هنا يتبين أنه في الوقت الذي تقصف فيه بيوت غزة بالصواريخ، تُقصف الحقيقة من الجانب الآخر بالخوارزميات، وإن كان العدو الأول معروفًا بزيّه وسلاحه، فإن العدو الأخطر ما زال خلف الستار، يشوه الأحداث، ويطمس الحقائق، ويُعيد تشكيل الوعي العالمي، ويخوض حربًا رقمية لا تُرى، لكنها لا تقلّ ضراوة عن تلك التي تُخاض على أرض الواقع.

__________________

1- عبدالكريم جيلينك وآخرون، الدين والفكر والأخلاق، متاح على: https://n9.cl/yc2pn.

2- https://n9.cl/te647.

3- https://www.ammonnews.net/article/812690.

عن الشبكة نت

اضف رد

arالعربية
جميع الحقوق محفوطة لموقع الشبكة الجزائرية نت 2008 .. 2025