الرئيسية 08 الشبكة الثقافية 08 التربية والتعليم 08 التربية والتعليم .. دور المدرسة في العملية الأخلاقية والتربوية

التربية والتعليم .. دور المدرسة في العملية الأخلاقية والتربوية

دور المدرسة في العملية الأخلاقية والتربوية

 

(1) دور المدرسة في التربية الإيمانية:

حتى تحقق المدرسة دورها التربوي في البناء الإيماني ينصح بمراعاة ما يلي:

1) اعتماد تدريس الدين كمادة أساسية في منهج الدراسة؛ بها نجاح ورسوب، ويعطى لها الكم الأكبر من الدرجات والاهتمام، وحصص الدراسة خلال العام الدراسي، والاهتمام بوضع منهج مناسب لتدريس الدين يعمل على تحقيق هدف التربية الأسمى[1].

 

2) العمل على تخصيص وقت معين لأداء الصلاة أثناء الدراسة: تتوقف فيه حصص التدريس، ويجتمع فيه كل المدرسين والطلاب، ويؤمهم الناظر، أو أحفظ المدرسين، ويحظر على أي أحد التخلف؛ ليكبر الطفل ومعنى الصلاة ماثل أمام عينه كشعيرة مرتبطة بالحياة كلها.

 

3) العمل على إعداد جيل من المدرسين يمثل القدوة الحسنة لتلاميذه في جانب الإيمان والعبادة، ولقد اشترط أهل العلم في المربي أن يكون مخلصًا تقيًّا، عالمًا حكيمًا، يشعر بالمسؤولية[2].

 

4) العمل على تقوية الوازع الديني لدى الطلاب؛ بعقد مسابقات في حفظ القرآن بين الطلبة يمنح فيها الفائز جائزة قيمة، في حفل يقام في المدرسة، أو مسابقات في حفظ الحديث، وغير ذلك، والعلوم الشرعية، والعمل إعداد معسكرات كشفية يتعلم فيها الشاب والطفل الفضائل الإيمانية عن طريق الاعتكاف في المسجد، أو يوم إسلامي، أو إفطار في أحد الأيام الدراسية الطويلة، ويكون كل ذلك داخل مسجد المدرسة، الذي يجب أن يكون ركيزة أساسية داخل كل مدرسة، ويزود بالكتب، ووسائل التثقيف الديني اللازمة.

 

5) تقوم المدرسة بعقد ندوات شهرية يدعى لها أحد العلماء في شتى المجالات الشرعية؛ للاجتماع مع الطلبة، وإعطائهم المحاضرات، والإجابة على تساؤلاتهم.

 

6) تقوم المدرسة بملاحظة ومراقبة الجانب الإيماني عند الطلبة، وما يقرؤون من كتب المناهج الغربية، والدسائس التي قد تفسد عقيدتهم، والتركيز على التطبيق العملي للجانب النظري، وهذا الدور معقد – حتى خارج المدرسة – فلربما يكون الولد صالحًا داخل المدرسة، أما خارجها فله شأن آخر؛ فالمدرس يعتبر نفسه أبًا لهذا الولد: يحاول أن يقترب منه، ويتعرف على مشاكله الإيمانية، وهل يعاني من فراغ ديني، أو فساد عقائدي، وكيفية حل تلك المشكلة.

 

2) دور المدرسة في التربية الأخلاقية:

قلنا من قبل أن الأمة تعيش حالة أزمة شديدة في البناء الأخلاقي، تسبب في حدوثها سنوات متعاقبة من التربية غير السوية، على خلاف رسم النبوة، أفرزت لنا كل هذه التداعيات الأخلاقية، ولعل السبب الرئيس وراء ذلك غياب الدور التربوي للمدرسة، والتركيز على جانب التعليم فقط، وحشر المناهج في رؤوس الطلبة، لذلك وجب على المدرسة أن تقوم بدورها في مجال التربية الأخلاقية، وتظهر جدوى هذا الدور فيما يلي:

1) تقوم المدرسة بإعداد المدرسين التربويين على مستوى أخلاقي رفيع، وتخصص المعاهد التي تقوم بتخريج هؤلاء المدرسين، الذين سوف يحملون أمانة الطفل في التربية؛ فالمعلم هو حجر الزاوية في العملية التربوية، والمدرسة تقوم بدورها من خلاله؛ فلا بد له أن يكون القدوة الحسنة، والمثل الطيب في الأخلاق؛ لأن عين الطفل والولد معلقة به[3].

 

2) تقوم المدرسة بتدريس علم الأخلاق كعلم مستقل بذاته[4]؛ تخصص له الحصص اللازمة، ولا يدخر وسعًا في وضع منهج كامل شامل لعلم الأخلاق بجانبيه النظري والعملي.

 

3) تعمل المدرسة على ترسيخ الأخلاق في قلوب الطلبة؛ بتحويلها لبرنامج عملي: كأن يعقد يوم في المدرسة يسمى يوم الأخلاق الحميدة؛ فلا يفعل فيه أي شيء ينافي الأخلاق أو المروءة، أو تقوم المدرسة بعمل مسابقة خلال العام كله لاختيار أفضل طالب أخلاقيًّا.

 

4) مراقبة الجانب الأخلاقي عند الطلبة وكذلك المدرسين، ويعد لكل طالب ومدرس تقرير يبين حالته الأخلاقية، ومدى وجود عادات سيئة، ووضع برنامج عملي للتخلص من هذه العادات والأخلاق المذمومة، مع ضرورة تخصيص مربٍّ خاص، أو ما يقال له الأخصائي الاجتماعي، والذي يقوم بعلاج الطلبة أخلاقيًا، ويقوم أيضًا بعمل وسائل الإيضاح على جدران المدرسة، التي توضح أهمية الأخلاق، وقصص الفضائل، والآيات والأحاديث في ذلك، ويحاول هذا الأخصائي وضع منهج يقوم على تحويل الأخلاق إلى عادة في سلوك الطلبة؛ بالربط بين الإيمان والأخلاق، حتى تتحقق ذاتية العمل عند الأولاد.

 

(3) دور المدرسة في التربية النفسية:

لما كانت المدرسة هي البيت الثاني للطفل -وفي بعض الأحيان البيت الأول- إذا لم تضطلع الأسرة بدورها التربوي؛ فقد وجب على المدرسة أن تتعامل مع الطفل كأنه يعيش في منزله، تمر به الوقائع والأحداث التي تؤثر في نفسيته، وله دوافع ورغبات وحاجات لا بد من مراعاتها وهي:

1) لا بد أن تعمل المدرسة على تكوين الشخصية الإسلامية بطابعها المميز؛ بحيث تكون كل الدوافع والحاجات والانفعالات طبقًا لهدي الإسلام: فمدارس البنين تحمل الطابع الجاد، والذي يرسخ معاني الرجولة في قلوب الأطفال، ومدارس البنات تحمل الطابع المنزلي الرقيق الذي يلائم طبيعة البنت، كيلا يحدث خلط بين معاني الرجولة والأنوثة، ولا ينشأ جيل متميع منحل.

 

2) لا بد من الفصل بين البنات والبنين في المدارس منذ البداية؛ كيلا يعتاد كل منهما على الآخر منذ الصغر، وتزول الفواصل الأخلاقية والاجتماعية بينهما؛ فينشأ جيل مختلط، لا يعترف بفضل الأخلاق والآداب السامية.

 

3) أن يكون نظام المدرسة حازمًا، ودون عنف أو قسوة؛ فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره، حتى لا يكره الولد المدرسة، وتتربى في نفسه الحواجز والعقبات التي تبغضه في المدرسة.

 

4) أن تتبع المدرسة سياسية الحوافز للمجتهدين والمؤدبين؛ كي يزداد الولد حبًا للمدرسة.

 

5) أن تقوم المدرسة بعمل حصر شامل لحالة الطلبة الاجتماعية والبيئية؛ لما لها من أثر بالغ على الطفل في المدرسة، يقوم بذلك الأخصائي الاجتماعي، أو المحلل النفسي في المدرسة؛ للعمل على إزالة هذه الآثار من نفس الطفل، وعدم اتباع المدرسة لسياسة تكرس هذه الأزمة النفسية عند الطفل إن وجدت.

 

6) أن تعمل المدرسة على عمل حلقات لتدريس علم النفس التربوي للمعلمين بكافة تخصصاتهم؛ لأن الحاجة لهذا العلم ماسة في التعامل مع الأولاد؛ لأن كل مرحلة لها دوافعها ورغباتها وحاجاتها، بل لكل جنس حاجات ورغبات دون الآخر.

 

7) كثيرًا ما يكون التأخر الدراسي من المسببات القوية للشعور بالنقص، وضعف الثقة بالنفس[5]، وبالتالي يجب على المدرسة مراقبة التحصيل العلمي للطلبة، ومدى تأثير ذلك على نفوسهم، والعمل على رفع مستوى التحصيل العلمي، وما يستتبعه من أثر على نفس الطفل.

 

8) لا بد للمدرسة من العمل على تربية روح المسؤولية في نفس الطفل والولد عندما يصل إلى مرحلة سنية معينة: وذلك عن طريق إسناد بعض الأعمال له: يؤديها، ويحاسب عليها.

 

(4) دور المدرسة في التربية العلمية (العقلية/ الفكرية):

لعل هذا الدور هو أوضح أدوار المدرسة في العصر الحديث؛ حيث صار الاهتمام بالجانب العلمي أكبر من الجانب التربوي، وحتى الجانب العلمي أخذ شكل التنظير فقط، ولم يأخذ شكل التطبيق الفعلي بالصورة الكافية، ويمكن للمدرسة أن تقوم بدورها في التربية العلمية بشقيها عن طريق:

 

حسن اختيار المنهج الدراسي الإسلامي:

أي منهج دراسي لا بد له من أساسيات يقوم عليها، ومكونات يتكون منها[6]، وسمات يتصف بها هذا المنهج؛ حتى يحقق الإفادة الكاملة في مجال التربية العقلية للناشئ، فلا بد من مراعاة ما يلي في المنهج:

1) الميول والرغبات والقدرات، والفروق الفردية الموجودة بين النشء، والاستعدادات الشخصية لهم.

 

2) التأكد من سلامة منهج العلم ومصادره، ومن يضعه؛ فمسألة حيادية التعليم ليست صادقة؛ فالغرب عند وضعه لمناهج التعليم يسرب فيها أفكاره وعقائده، وها نحن نجني ثمار ذلك[7].

 

3) التبسيط والتلخيص للعلم والمكتشفات الحديثة؛ حتى يسهل على الناشئ فهمها، والبدء بالبسيط ثم التدرج للأصعب حسب المرحلة السنية، فإن من آفاق الربانية في التعليم الجزئيات قبل الكليات([8])، وصغار العلم قبل كباره، وهذا تفسير قوله عز وجل: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ [آل عمران: 79] كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.

 

4) التصفية والتطهير للعلوم الطبيعية والإنسانية المنقولة من الغرب، لوجود كثير من الانحرافات العقدية بها، وكثير مما يخالف عقيدة المسلمين، حتى لا تنتقل عدوى هذه العلوم الملوثة لعقول أبنائنا[9].

 

5) توسيع آفاق الناشئ وزيادة خبراته: بنقل تراث الأمم السابقة الثقافي والعلمي -خاصة أمة الإسلام-لأن هذا التراث يمثل خلاصة الأعمار، والخبرات الهائلة في شتى نواحي العلوم ، والعمل على تنقية هذا التراث من الدخل واللوث الذي لحق به عبر السنين[10].

 

6) يراعى تطبيق طرق التعليم المختلفة؛ لتحقيق أقصى كفاءة في العملية التعليمية، وعدم الاقتصار على طرق التدريس القديمة، بل إدخال طرق جديدة للتدريس مثل: طريقة المشروعات، وطريقة المشكلات، وغيرهما[11].

 

7) يراعى أثناء التطبيق النظري والعملي للمنهج ربط الأحداث والظواهر والنظريات العملية والطبيعية بالله عز وجل، ورد كل هذا العلم لله عز وجل، ومدى حجم علم الإنسان بجانب علم الله، والاستعانة بالآيات والأحاديث حتى في شرح العلوم الطبيعية: مثل الكيمياء والفيزياء والجغرافيا.

 

8) أن يخصص في المنهج مادة لدراسة أحوال المسلمين في العالم وأوضاعهم، ومدى تأثيرات العولمة، وكل هذه المفاهيم الجديدة التي ظهرت على الساحة.

 

9) أن يعمل المنهج الدراسي على بث روح الابتكار والتجديد في عقول النشء، ولا يعتمد على الحشو والدس في العقول، ثم استحضار هذه المعلومات آخر العام في الامتحان، ثم نسيانها بالكامل بعدها.

 

(5) دور المدرسة في التربية الاجتماعية:

المدرسة مؤسسة اجتماعية من الطراز الأول؛ لالتقاء فئات الطلبة المختلفة بها، وتستطيع المدرسة ممارسة دورها كهيئة اجتماعية باتباع الخطوات التالية:

1) تحقيق وظيفة الصهر والتوحيد، وإيجاد التجانس، والتآلف بين الناشئين[12]، ولا يتم ذلك إلا على أسس إيمانية تترسخ في النفس، حتى ترتفع كل الفوارق والاختلافات بين طبقات النشء المختلفة، وترتفع كل روابط الدنيا التي تفاضل بين الناس على أساس دنيوي بحت، وتبقى الرابطة الربانية التي تفاضل بالتقوى، وهذه الوظيفة من أهم الوظائف، وأعظم النعم الربانية: ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63].

 

2) العمل على تنسيق الجهود التربوية المبذولة على صعيد الأسرة والمدرسة، وذلك في إطار اجتماعي مشترك، لا تتضارب فيه الجهود ولا تتعارض، ويتم ذلك عن طريق مجالس الآباء، وتفعيل دورهم، وقبول اقتراحاتهم.

 

3) العمل على إنشاء لجان خاصة بالتعارف بين أفراد المدرسة الواحدة؛ ذلك لأن عدد الطلبة قد زاد في الآونة الأخيرة، مما يعسر عملية التعارف بدون هذه اللجان، وتعمل هذه اللجنة على توثيق روح الأخوة الإسلامية.

 

(6) دور المدرسة في تفريغ النشاط:

أو ما يقال له: التربية باستهلاك الطاقة، والاستفادة منها، والترويح عن نفوس النشء من عناء الدراسة؛ يستغل في توجيه ميول النشء ورغباتهم نحو الاستفادة منها في إطار عملي صحيح ومدروس، وهذا النشاط لا يكون نشاطًا رياضيًا فقط، بل نشاطًا يفرغ فيه كل ناشئ طاقته حسب ميوله واتجاهاته؛ فهذا يحب اللعب، وهذا يحب القراءة ، وهذا يحب الأنشطة الخدمية والطلابية، ويجب مراعاة الآتي:

1) الاهتمام بوضع منهج للنشاط يتصف بالتوازن والتكامل والشمولية؛ بحيث لا يغلب عليه الجانب الرياضي فقط.

 

2) الاهتمام بوضعية حصة النشاط؛ بحيث تكون في وسط الجدول، لا أوله ولا آخره، مع تحويل مسألة النشاط من الجانب النظري إلى الجانب العملي، مع اختيار المدرس الكفء الذي يشارك الطلبة أنشطتهم، ويعرف كيف يوحد طاقاتهم في المجال النافع.

 

3) مراعاة الحدود والأخلاق الشرعية؛ فلا توجد أية مخالفات شرعية مثل استعمال الألفاظ البذيئة، أو كشف العورة، وغير ذلك مما نراه في مجال الرياضة.

 

4) العمل على إنشاء لجان داخل كل فصل لتوجيه نشاط الطلبة؛ فاللجنة الرياضية تكلف بعمل المسابقات الرياضية، وإعداد البناء الجسمي للطلاب، لجنة الرحلات تعد الرحلات النافعة، لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنشر الفضيلة في الفصل، ولجنة الصحافة والمجلات الجدارية؛ لنشر الثقافة والوعي الديني، ولجنة المسجد للعناية به، ودعوة الطلاب للصلاة والإشراف عليه[13]، وهكذا لجان في شتى مجالات النشاط بحيث تستوعب كل الطلاب في إطار اجتماعي واحد، يفرغون فيه طاقاتهم في المجالات النافعة.

 


[1] قام بعض الباحثين بإعداد بعض المناهج في التربية الدينية وطرق تدريسها للمراحل السنية المختلفة، مثال: “المعين في تربية البنين”، و”التربية الإسلامية وطرق تدريسها” لعبد الوهاب طويلة.

[2] تربية الأولاد (2 /737).

[3] “أصول الفكر التربوي” لعباس محجوب ص (277).

[4] هذا الأمر ليس خاصًا فقط بالمعلم بل هو للمعلمة أولى حيث أن تأثر الفتاة بمعلمتها أكبر من الولد فيجب على المعلمة أن تكون مثالًا للأخلاق في زينتها وحديثها وتعاملاتها مع زملائها وطالباتها.

[5] “الطفل الخجول: كيف نشجعه ونرعاه؟ “ملاك جرجس ص (18).

[6] “علم المناهج” علاء إبراهيم ص (39 /160).

[7] “التطوير بين الحقيقة والتضليل” جمال عبد الهادي/ علي لبن ص (213) بتصرف.

[8] “ربانية التعليم” عبد الله الحسن ص (21).

[9] “أصول التربية” النحلاوي ص (151).

[10] السابق ص (153).

[11] “التربية الإسلامية وفن التدريس” طويلة ص (57).

[12] “أصول التربية الإسلامية” النحلاوي ص (151).

[13] “التربية الإسلامية وفن التدريس” طويلة ص (192).

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/132594/#ixzz5fOgMcHcF

شريف عبدالعزيز الزهيري

 

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: