الرئيسية 08 الشبكة الاسلامية 08 الحبيب المصطفى 08 أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.. كيف كانت تطبيقا للقرآن؟

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.. كيف كانت تطبيقا للقرآن؟

لقد أثنى الله – تبارك وتعالى- على أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم- من فوق سبع سماوات، فقال – جلّ وعلا-: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159]، وهذا لأن الله طهّره من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبًا رحيمًا بالمؤمنين رءوفًا، بل إنّ معاملاته مع غير المسلمين أبهرت كل من درس سيرته من العلماء الغربيين في كل زمان ومكان.

ويُمكننا هنا أن نستدعي موقفًا شائع الذكر يدل على كرم أخلاق سيد المرسلين، وهو حينما تعرّض – صلى الله عليه وسلم- للأذى في الطائف، ونزل عليه سيدنا جبريل – عليه السلام-، مخاطبًا إياه بأنه جاء لنصرته بأمر من الله – سبحانه وتعالى-، وأنه لو أراد – النبي- الانتقام من أهل الطائف، حتى لو كان ذلك بهدم الجبال فوق رءوسهم، لفعل. فكان رد الرسول – عليه الصلاة والسلام- بالدعاء لهم: “اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”.

 

أخلاق النبي في القرآن

إن أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم- كانت استجابة لدعائه المتكرر: “اللهم حسن خَلقي وخُلقي”، ودعائه: “اللهم جنبني منكرات الأخلاق”، فقد استجاب الله تعالى له وفاء بقوله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْْ} [غافر: 60] فأنزل عليه القرآن وأدبه وكان خلقه القرآن.

ولقد أدب القرآن سيد الخلق، فقال – عز وجل-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وقال تبارك وتعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17] وفي قوله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13] وقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، وقال جلا وعلا: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]، وغيرها الكثير من الآيات.

ولمّا كان – عليه الصلاة والسلام- هو المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، فقد أدبه القرآن، ليؤدب هو الخلق به، وينشر النور الذي ملء قلبه منه، لذلك قال – صلى الله عليه وسلم-: “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ثم رغب الخلق في محاسن الأخلاق.

وحين أكمل الله تعالى خُلُقه أثنى عليه فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ثمّ بين صلوات الله عليه للخلق أنّ الله يُحب مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها. قال علي رضي الله عنه: “يا عجبا لرجل مسلم يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا، فلو كان لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا لقد كان ينبغي له أن يسارع إلى مكارم الأخلاق، فإنها مما تدل على سبيل النجاة”. 

وقال “معاذ”: أوصاني رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال: “يا معاذ أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وحفظ الجار، ورحمة اليتيم، ولين الكلام، وبذل السلام، وحسن العمل، وقصر الأمل، ولزوم الإيمان، والتفقه في القرآن، وحب الآخرة، والجزع من الحساب، وخفض الجناح. وأنهاك أن تسب حكيما، أو تكذب صادقا، أو تطيع آثما، أو تعصي إماما عادلا، أو تفسد أرضا. وأوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر، وأن تحدث لكل ذنب توبة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية” (أخرجه البيهقي في كتاب الزهد). فهكذا أدب عباد الله ودعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب.

 

جملة من أخلاق النبي

ونذكر جملة من أخلاق النبي الكريم، تؤكد كيف كان يعامل الآخرين برحمة ولطف، فقد رُوي عنه – صلى الله عليه وسلم- ما يؤكد أنه ما ضرب بيده أحدا قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله تعالى، وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله، وما خُيّر بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس من ذلك، وما كان يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته، وقال أنس رضي الله عنه: “والذي بعثه بالحق ما قال لي في شيء قط كرهه لم فعلته، ولا لامني نساؤه إلا قال دعوه إنما كان هذا بكتاب وقدر”.

وكان من خلقه أن يبدأ من لقيه بالسلام، ومن قاومه لحاجة صابَرَه حتى يكون هو المنصرف، وإذا لقي أحدا من أصحابه بدأه بالمصافحة، ولا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، ولا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال: “ألك حاجة؟”.

ولم يكن يعرف مجلسه من مجلس أصحابه لأنه كان حيث انتهى به المجلس جلس، وكان يُكرم من دخل عليه حتى ربما بسط له ثوبه يجلسه عليه، وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، ويعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه حتى كأن مجلسه وسمعه وحديثه ولطيف مجلسه وتوجهه للجالس إليه، ومجلسه مع ذلك حياء وتواضع وأمانة.

حتى إنه كان يدعو أصحابه بكناهم إكراما لهم واستمالة لقلوبهم ويكني من لم تكن له كنية فكان يدعى بما كناه بها، ويكني أيضا النساء اللاتي لهن الأولاد واللاتي لم يلدن، ويكني الصبيان فيستلين به قلوبهم، وكان أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضاء، وكان أرأف الناس بالناس وخير الناس للناس وأنفع الناس للناس. ولم تكن ترفع في مجلسه الأصوات، وكان إذا قام من مجلسه قال: “سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك”.

 

الكلام والطعام والشراب

ولأن أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم- كانت مستمدة من القرآن الكريم، فقد كان أفصح الناس منطقًا وأحلاهم كلامًا، حيث كان يقول: “أنا أفصح العرب” وكان يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير، يحفظه سامعه ويعيه، وكان جهير الصوت وأحسن الناس نغمة، لا يتكلم في غير حاجة ولا يقول في الرضاء والغضب إلا الحق، ويعرض عمن تكلم بغير جميل، ويكني عما اضطره الكلام إليه مما يكره.

وكان إذا سكت تكلم جلساؤه، ولا يتنازع عنده في الحديث، ويعظ بالجد والنصيحة، وكان أكثر الناس تبسما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجبا مما تحدثوا به وخلطا لنفسه بهم، ولربما ضحك حتى تبدو نواجذه، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم اقتداء به وتوقيرا له. وكان إذا نزل به الأمر فوض الأمر إلى الله وتبرأ من الحول والقوة واستنزل الهدى فيقول: “اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم”.     

وفي الطعام، كان- صلى الله عليه وسلم- يأكل ما وجد، وإذا وضعت المائدة قال: “بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنة”. وكان لا يأكل الحار ويقول: “إن الله لم يطعمنا نارا فأبردوه” وكان يأكل مما يليه، ويأكل خبز الشعير والقثاء بالرطب. وكان أكثر طعامه الماء والتمر، وأحب الطعام إليه اللحم، وكان يأكل الثريد باللحم، ويحب القرع، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ولا يحب منها الكليتين ولا الذكر والأنثيين ولا المثانة والغدد والحياء ويكره ذلك.

وكان لا يأكل الثوم ولا البصل. وما ذم طعاما قط، إن أعجبه أكله وإن كرهه تركه. وكان يعاف الضب والطحال ولا يحرمهما. وكان إذا فرغ قال: “الحمد لله اللهم لك الحمد أطعمت فأشبعت وسقيت فأرويت لك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه” وكان إذا أكل اللحم غسل يديه غسلا جيدا. وكان يشرب في ثلاث دفعات، ويمص الماء مصا ولا يعبه عبا ولا يتنفس في الإناء بل ينحرف عنه. وكان ربما قام في بيته فأخذ ما يأكل بنفسه أو يشرب.

 

أخلاقه صلوات الله عليه في اللباس

ولقد كان من أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم- في اللبس، لبس البياض، وتشمير الثياب فوق الكعبين، وكان قميصه مشدود الأزرار وربما حل الأزرار في الصلاة وغيرها، وكان له ثوبان لجمعته خاصة سوى ثيابه في غير الجمعة، وكان ربما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره فأم غيره فأم به الناس، وكان له كساء أسود يلبسه ثم وهبه. وكان يتختم وربما خرج وفي خاتمه خيط مربوط يتذكر به الشيء، وكان يختم به على الكتب.

وكان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة، وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلي إليها. وكان إذا لبس ثوبا لبسه من قبل ميامنه ويقول: “الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس” وإذا نزع ثوبه أخرج من مياسره. وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا يقول: “ما من مسلم يكسو مسلما لله إلا كان في ضمان الله وحرزه حيا وميتا”.  

 

العفو والكرم والشجاعة

ومن أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم- العفو مع المقدرة، فقد كان في حرب فرأى رجل من المشركين في المسلمين غرة فجاء حتى قام على رأس رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بالسيف فقال: “من يمنعك مني”؟ فقال: “الله” قال: فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله السيف وقال: “من يمنعك مني”؟ فقال: “كن خير آخذ” قال: “قل أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله” فقال: “لا، غير أني لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك” فخلى سبيله فجاء أصحابه فقال: “جئتكم من عند خير الناس”.       

وكان- صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وأسخاهم، وكان في شهر رمضان كالريح المرسلة لا يمسك شيئا، فكان “علي” – رضي الله عنه- إذا وصف النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: كان أجود الناس كفا، وأوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، وما سئل عن شيء قط إلا أعطاه، وإن رجلا أتاه فسأله فأعطاه غنما سدت ما بين جبلين فرجع إلى قومه وقال: “أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة”.

وفي الشجاعة والتواضع، كان – صلوات الله عليه- أشجع الناس وأكثرهم تواضعًا، قال علي رضي الله عنه: “لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي- صلى الله عليه وسلم- وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا” (رواه أحمد).

وكان يركب الحمار موكفا عليه قطيفة، ومع ذلك يستردف، وكان يعود المريض ويتبع الجنازة ويجيب دعوة المملوك ويخصف النعل ويرقع الثوب، ويصنع في بيته مع أهله في حاجتهم، وكان أصحابه لا يقومون له لما عرفوا من كراهته لذلك، ويمر على الصبيان فيسلم عليهم، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم كأنه أحدهم فيأتي الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل عنه، وإذا جلس مع الناس إن تكلموا في معنى الآخرة أخذ معهم، وإن تحدثوا في طعام أو شراب تحدث معهم رفقا بهم وتواضعا لهم، وكانوا يتناشدون الشعر بين يديه أحيانا ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية ويضحكون فيبتسم هو إذا ضحكوا ولا يزجرهم إلا عن حرام.             

 

المصادر:

  • ابن كثير: البداية والنهاية، 2/271.

  • أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، ص 1365.

  • أبو حامد الغزالي: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين، ص 170.

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: