الرئيسية 08 الشبكة الاسلامية 08 احوال المسلمين 08 سريبرينيتسا.. 25 عاماً على اسوأ مذبحة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية

سريبرينيتسا.. 25 عاماً على اسوأ مذبحة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية

وقعت أسوأ مذبحة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية قبل 25 عامًا في يوليو، ففي الفترة من 11 إلى 19 يوليو 1995م، قتلت القوات الصربية البوسنية من 7 إلى 8 آلاف من الرجال والفتيان المسلمين في مدينة سريبرينيتسا البوسنية.

وقعت مذبحة سربرينيتسا بعد عامين من تحديد الأمم المتحدة المدينة “كمنطقة آمنة” للمدنيين الفارين من القتال بين حكومة البوسنة والقوات الصربية الانفصالية، أثناء تفكك يوغوسلافيا.

وقد لجأ حوالي 20 ألف لاجئ و37 ألف مقيم في المدينة، لحماية أقل من 500 من جنود حفظ السلام الدوليين المسلحين، ولكن القوات الصربية تغلبت على قوات الأمم المتحدة، ونفذت ما تم توثيقه فيما بعد على أنه عمل إبادة جماعي مخطط له بعناية.

قام الجنود والشرطة البوسنيون الصرب باعتقال رجال وأولاد تتراوح أعمارهم بين 16 و60 سنة -معظمهم من المدنيين الأبرياء- وقاموا بنقلهم بالشاحنات إلى مواقع القتل لإطلاق النار عليهم ودفنهم في مقابر جماعية، ونقلت القوات الصربية حوالي 20 ألف امرأة وطفل إلى المناطق الآمنة التي يسيطر عليها المسلمون -ولكن بعد اغتصاب العديد من النساء، كانت الفظائع شنيعة للغاية، لدرجة أن الولايات المتحدة المترددة شعرت بأنها مضطرة للتدخل مباشرة في صراع البوسنة– من أجل إنهائه.

سريبرينيتسا قصة تحذيرية حول ما يمكن أن تؤدي إليه دعوات القومية المتطرفة، ومع عودة كره الأجانب وعودة الأحزاب القومية والنزاعات العرقية في جميع أنحاء العالم، لا يمكن أن تكون الدروس المستفادة من البوسنة أكثر إلحاحاً من الآن.

محاسبة الجناة

كانت الحرب الأهلية في البوسنة صراعًا دينيًا وعرقيًا معقدًا، فقد صوت مسلمون بوسنيون وكروات بوسنيون كاثوليك، لصالح الاستقلال عن يوغوسلافيا، وكانوا يحاربون صرب البوسنة، الذين انفصلوا لتشكيل جمهوريتهم الخاصة وسعوا لطرد الجميع من أراضيهم الجديدة.

المذبحة التي تلت ذلك تتجسد في شارع واحد في بلدة زرتها في عام 1996م، كجزء من دراستي للصراع البوسني، في بوسناسكا كروبا، حيث رأيت كنيسة كاثوليكية ومسجداً وكنيسة أرثوذكسية في شارع ضيق، خربتهم كلهم الحرب، لم يستهدف المقاتلون الجماعات العرقية فحسب، بل استهدفوا أيضًا رموزهم وهوياتهم.

واستغرق الأمر أكثر من عقدين من الزمن لتقديم المسؤولين عن فظائع الحرب الأهلية البوسنية إلى العدالة، وفي نهاية المطاف؛ أدانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا، وهي محكمة تابعة للأمم المتحدة استمرت من عام 1993 إلى عام 2017م، 62 من صرب البوسنة بارتكاب جرائم حرب، من بينهم العديد من كبار الضباط.

ووجدت المحكمة قائد الجيش الصربي البوسني الجنرال راتكو ميلادتش مذنباً بتهمة “الإبادة الجماعية والاضطهاد والقتل والعمل غير الإنساني المتمثل في النقل القسري من منطقة سريبرينيتسا”، وأدانت زعيم الصرب البوسني رادوفان كاراديتش بتهمة الإبادة الجماعية، كما اتهمت المحكمة الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش بتهمة “الإبادة الجماعية، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف، وانتهاكات لقوانين الحرب وأعرافها”، ولدوره في دعم التطهير العرقي، لكنه مات أثناء محاكمته.

وعلى الرغم من أن عديداً من الأشخاص الآخرين لم يحاكموا مطلقًا، فإن لوائح الاتهام الجنائية التي أعقبت سريبرينيتسا تظهر لماذا يجب محاسبة مرتكبي الفظائع في زمن الحرب، بغض النظر عن المدة التي تستغرقها، وتوفر الإدانات الجنائية بعض التهدئة لعائلات الضحايا وتذكر المذنبين بأنهم لا يمكن أن يكونوا على يقين من الهروب من العدالة.

كما تؤكد أن المذنبين فقط يجب أن يحاسبوا بعد الحرب، وليس كل السكان، فلم يرتكب الصرب الإبادة الجماعية، ولكن بعض أفراد من الجيش الصربي البوسني والقوات شبه العسكرية الصربية بقيادة رجال مثل ملاديتش هم الذين ارتكبوا جرائم القتل.

خطورة الإنكار

على الرغم من الإدانات الدولية التاريخية والوثائق الرهيبة للجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في البوسنة، لا يزال البعض في صربيا يدعون أن الإبادة الجماعية لم تحدث قط.

ويصر القوميون الصرب على أن عدد القتلى مبالغ فيه، أو أن الضحايا كانوا من المقاتلين، أو أن سريبرينيتسا ليست سوى واحدة من العديد من الفظائع التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع.

صحيح أن المحاربين في وقت الحرب، من كلا الجانبين سيفعلون أشياء رهيبة، لكن الأدلة من البوسنة تظهر بوضوح أن القوات الصربية قتلت مدنيين أكثر من المقاتلين من الجماعات الأخرى، فقد توفي ما لا يقل عن 26582 مدنيًا خلال الحرب؛ 22225 مسلمًا، و986 كرواتيًا، و2130 صربيًا، ويشكل المسلمون حوالي 44% فقط من سكان البوسنة، ولكن 80% من القتلى كانوا منهم، وقد أدانت محكمة لاهاي 5 مسلمين بوسنيين فقط بجرائم حرب.

في عام 2013م، اعتذر رئيس صربيا عن “جريمة” سريبرينيتسا، لكنه رفض الاعتراف بأنها كانت جزءًا من حملة إبادة ضد مسلمي البوسنة.

اللامبالاة تواطؤ

تعتبر سريبرينيتسا تحذيراً صارخاً من أن أي محاولة لتقسيم الناس إلى “هم” و”نحن”، وهذا سبب مهم للقلق الشديد، وربما للتدخل الدولي، وتظهر الأبحاث أن الإبادة الجماعية تبدأ بوصم الآخرين، وإذا لم يتم كبحه، فإنها تستمر في تجريدهم من الإنسانية تمهيداً لإبادتهم.

كانت سريبرينيتسا هي الذروة في حملة إبادة جماعية استمرت لسنوات ضد مسلمي البوسنة، ففي عام 1994، قبل أكثر من عام على المذبحة، أفادت وزارة الخارجية الأمريكية أن القوات الصربية كانت تقوم بـ”تطهير عرقي” لمناطق في البوسنة، مستخدمة للقتل والاغتصاب وتدمير القرى كأدوات للحرب.

لكن إدارة كلينتون، التي جاءت بعد فشل مهين في وقف حرب أهلية في الصومال، أرادت تجنب التورط، ورفضت الأمم المتحدة الإذن باتخاذ إجراءات أكثر قوة لوقف العدوان الصربي، معتقدة أنها بحاجة إلى أن تظل محايدة لأسباب سياسية، وكان لا بد من ذبح سربرينيتسا لإقناع هذه القوى الدولية بالتدخل.

التصرف العاجل كان يمكن أن ينقذ الأرواح، ففي كتابي لعام 1999م “حفظ السلام والصراع الداخلي”، جادلت بالقول: إن قوة مدججة بالسلاح ذات تفويض واضح لوقف العدوان هي وحدها التي يمكنها إنهاء الحرب الأهلية.

كان بإمكان الولايات المتحدة والأمم المتحدة أن تعدان تلك القوة، لكنهما ترددتا.

وتستمر المذابح

إن تذكر الإبادة الجماعية في أمثال سربرينيتسا لن يمنع وقوع أمثالها في المستقبل، فقد تعرضت الجماعات المهمشة للاضطهاد الوحشي في السنوات التي تلت عام 1995م، في السودان وسورية وميانمار، واليوم، يُقبض على الأويجور -وهم أقلية مسلمة في الصين- ويتم إلقاؤهم في معسكرات الاعتقال الصينية وتعقيمهم قسراً.

ومع ذلك، فإن إحياء فظائع الماضي أمر بالغ الأهمية، إنه يسمح للناس بالتوقف والتأمل، وتكريم الموتى، فالاحتفال بهذه المآسي يوحد الإنسانية، ويدفعها للعمل معاً للتغلب على خلافاتهم، التذكر يحافظ أيضًا على سلامة الماضي ضد أولئك الذين سيرجعون للتاريخ من أجل أهدافهم الخاصة.

وبهذا المعنى، فإن إحياء ذكرى سريبرينيتسا بعد 25 سنة قد يجعلنا، إلى حد ما، أكثر استعدادًا لمقاومة شر القتل الجماعي في المستقبل.

 

__________________________

المصدر: “|The Conversation“.

 

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: