الرئيسية 08 الشبكة الاسلامية 08 الحبيب المصطفى 08 الحبيب المصطفى .. بيعة الأنصار لما هداهم الله للإسلام والهجرة الى المدينة

الحبيب المصطفى .. بيعة الأنصار لما هداهم الله للإسلام والهجرة الى المدينة

قد عرض النّبيّ ﷺ نفسه على قبائل العرب في موقف عرفة قبيلة بعد قبيلة عدة سنين ويقول: «ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربّي» رواه النسائي، لينضم إلى قبيلة تؤويه وتحميه فيُعرضون عن قوله ويُوَلّون عنه وهم يهزَؤون به ويرمون بمقالته ويترفّعون عن مجالسته، وأبو لهب وراءه يكذّبه وينهاهم عن اتّباعه. ولم يزل الشأن على ما ذكر حتى أراد الله إظهارَ دينه ونصرَ نبيّه فقيّض له الأنصار وهم الأوس والخزرج لما قدّره الله لهم من السعادة، فانتهى إلى نفر منهم وهم يحلقون، فقعد إليهم ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرءان فاستبقوا للخير واستجابوا للّه ولرسوله وآووه ونصروه فلذلك سمّوا الأنصار. وكان الواحد منهم يُسلِم ويذهب إلى قومه فيعرض عليهم الإسلام فيُسلم جميع قومه فرُحِموا بإجابتهم وإسلامهم حتى فشا الإسلام فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله ﷺ.

ثم قدم منهم مكة في العام القادم ممن أسلم أولًا ومن غيرهم لبيعة الإسلام وبايعوا ثم انصرفوا إلى المدينة، وكتبوا إلى المصطفى أن ابعث لنا من يقرئنا القرءان فبعث إليهم مصعب ابن عمير، ثم أتى من العام القابل من الأنصار سبعون رجلًا ونيّف، وهي البيعة الثانية وكانت ليلًا ونِعم البيعة، فكان جزاء من بايع فيها الجنة، لأنّ النّبيّ اشترط عليهم شروطًا وجعل لهم على الوفاء بها الجنة. فلما أصبحوا غدت جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار فقالوا: يا معشر الخزرج بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا ووعدتموه أن تبايعوه على حربنا، والله ما حيٌّ من العرب أبغض إلينا من أن ينشب الحرب بيننا وبينه منكم. وطابت نفس المصطفى إذ جعل الله له منَعة وقومًا أهل حرب ونجدة

 

الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة

وحين فشا الإسلام وانتشر بالمدينة شكا أصحاب رسول الله ﷺ ما وجدوه من أذى المشركين واستأذنوه في الهجرة إلى المدينة، فأذن لهم فخرجوا أرسالًا، فآواهم الأنصار وواسوهم، ولم يبق بمكة إلا المصطفى والصدّيق وعلي بن أبي طالب ومحبوس أو مريض، وعزم الصدّيق على المهاجرة فقال له النّبيّ ﷺ: «لا تعجل لعلّ الله يجعل لك صاحبًا» رواه الطبراني، فلم يزل يردّه عن المسير حتى هاجرا معًا.

ولما رأت قريش خروج من أسلم إلى المدينة بالذراري والأطفال خافت خروج المصطفى وعلمت أنه قد صار للمسلمين قوة ومنعة فاجتمعوا للتشاور في أمره، وحضرهم إبليس في صورة شيخ نجدي، فأشار كلٌّ برأي وإبليس يردّه إلى أن قال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة من قريش غلامًا بسيف فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل، فلا يتمكن بنو عبد مناف من حرب الكل فيرضون بالدية، فقال النجدي: هذا هو الرأي، فتفرقوا عليه. وأخبر جبريل النّبيّ ﷺ بذلك فلم ينم في مضجعه تلك الليلة، واجتمعوا ببابه يرصدونه لينام فَيَثِبُوا عليه فقال ﷺ لعلي: «نم على فراشي وتسجَّ ببردي هذا الأخضر الحضرمي فإنه لا يخلص إليك شىء تكرهه منهم» رواه أبو نعيم الأصبهاني، وأخذ ﷺ حفنة تراب وخرج عليهم فلم يروه فوضع التراب على رؤوسهم وهو يتلو سورة يس إلى قوله تعالى: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)، ثم انصرف فأتاهم آت فقال: خرج محمّد وما منكم إلا من وضع على رأسه ترابًا فوضع كل منهم يده على رأسه فوجد التراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليًّا على الفراش متسجّيًا بِبُرْد رسول الله فيقولون: هذا هو نائم على فراشه فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا.

وجاء المصطفى إلى بيت الصديق ظهرًا فقال ﷺ: «قد أذن لي في الخروج» فقال الصدّيق: الصحبة يا رسول الله، قال ﷺ: «الصُّحْبَةَ»، فقال أبو بكر: إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج فخذ إحداهما، رواه البخاري، فتجهّزا وخرجا ليلًا فترافقا إلى الغار وهم بثور وهو جبل بقرب مكة، فدخلاه وخيّم العنكبوت على بابه وفرخت حمامة وطلبت قريش المصطفى أشدَّ الطلب وجعلت لمن دلّ عليه مائة ناقة، وأتوا إلى الغار فوجدوه كذلك حتى قال أبو بكر: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى رجله لرآنا، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» رواه البخاري، أي أن الله تعالى يحفظهما. فتقدم جمع منهم فنظروا إلى الحمامتين والعنكبوت فقالوا: ليس في الغار شىء. ومكثا في الغار ثلاث ليال يأتيهما عبد الله بن أبي بكر يخبرهما بما سمع من القوم، وبعد ثلاث ليال ارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة يخدمهما، واستأجرا عبد الله بن أريقط من بني عدي يدلهما على الطريق، وكان كافرًا إذ ذاك.

وبلغ سراقة بن مالك أن سوادًا مرّ بالساحل، فركب فرسه منتهزًا للفرصة خفية من قومه يريد الفتك بالنّبيّ ﷺ ليحصل على ما جعلت قريش لمن ردّه أو قتله، فحث في الطلب حتى أدركهما فصار أبو بكر يكثر التلفت والنّبيّ عليه الصلاة والسلام يقرأ ولا يلتفت فلما قرب منهما دعا ﷺ عليه فقال: «اللّهم اكفِناه بما شئتَ» رواه ابن حبان، فساخت يدا فرسه إلى بطنها في أرض جلد وخرّ عنها، فناداه بالأمان لحبسه عن لحوقه له فدعا ﷺ له فانطلق فرس سراقة ووقف المصطفى حتى جاء سراقة فأخبر النبيّ ﷺ ما يريد به قومه وأنهم قد جعلوا فيه الدية، فطلب منه أن يخف عليهم، فرجع فوجدهم يلتمسونه فقال: ارجعوا فقد استبرأت لكم ما هاهنا، قال: فخرجت وأنا أحبّ الناس في تحصيلهما ورجعت وأنا أحبّهم في أن لا يعلم بهما أحد.

ومرّوا على خيمة أم معبد وهي على طريقهم مختبئة بفناء خيمتها تسقي المارة من الماء واللبن ونظر النّبيّ عندها شاة فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد»؟ قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم، قال: «هل بها من لبن»؟ قالت: هي أجهد من ذلك، فمسح النّبيّ ﷺ منها ظهرها والضرع وسمّى ودعا فحلبت ما قد كفاهم وسعًا، روى ذلك الحاكم والطبراني وغيرهما، وحلب النّبيّ ﷺ بعد ذلك إناءً آخر وسافر بعد أن بايعها على الإسلام، واستمرت تلك البركة في الشاة.

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: